محمد خليفة

إن المتابع لتطور القوة العسكرية منذ منتصف القرن المنصرم سوف يذهل من التطور النوعي في سلاح الجو منذ الحرب العالمية الأولى حتى الوقت الحاضر، هذه التطورات النوعية قللت إلى حد بعيد من أهمية البندقية وهيمنتها إلى حد كبير، بينما بدأ استخدام الدبابات والدروع والمدافع في الحرب العالمية الثانية وبشكل مذهل ومتعدد الأغراض، وأصبحت المدافع تصل إلى مدى بعيد جداً، والدبابات أصبحت لديها القدرة على السرعة والمناورة في التحرك وضرب الخصم، إلا أن هذه التطورات لم تستطع مجاراة الاختراعات الجديدة على مستوى سلاح الجو الذي بدأت تظهر أهميته بشكل قوي وجلي، وكان تطويره فتحاً هائلاً بالمدارس العسكرية والقدرة القتالية .

ونتيجة هذه التحولات والتطورات أصبح سلاح الجو سراً من أسرار حسم المعارك، خصوصاً على مستوى تطوير الصواريخ ذات القدرة التدميرية الهائلة وجعلها متعددة الأغراض ومتنوعة، فهي تمتد إلى ضرب التجمعات العسكرية والمدنية وخطوط الإمداد والتموين، وإلى ضرب مخازن الذخيرة والمنشآت الصناعية الحيوية مثل خطوط الكهرباء والماء وغيرها، بل تذهب القدرة التدميرية لسلاح الجو إلى ضرب التجمعات البشرية من أجل بث الذعر وزعزعة الثقة داخل الدولة وتقويض الروح المعنوية، كوضع ليبيا الذي يجري فيه استخدام سلاح الجو في معركة غير متكافئة بين الشعب الثائر والنظام الحاكم الذي يمتلك سلاح الطيران ويستخدمه ضد مواطنيه الثائرين الأحرار .

وقد سجلت ليبيا منذ أواخر السبعينات مستويات متقدمة من الإنفاق العسكري، فالجيش الليبي يمتلك أحد أهم الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط، ويضم 374 طائرة مقاتلة وأكثر من 85 طائرة نقل عسكري و136 مروحية عسكرية، ويقدر عدد قواتها الجوية ما بين 18 ألفاً و22 ألف فرد، وتوجد على أراضيها 13 قاعدة جوية . ووفقاً لمؤشرات عام 2010 تمتلك القوات الجوية الليبية تسعة أسراب من المقاتلات تتضمن 15 طائرة مقاتلة من طراز ldquo;ميراج إفrdquo;، و45 مقاتلة ldquo;ميج- 21rdquo;، و75 طائرة فلوجر ldquo;ميج - 23rdquo;، و94 طائرة ldquo;ميج - 25rdquo;، وطائرة ldquo;سوخوي-24rdquo;، وست طائرات ldquo;سوخوي دي- 24rdquo; مطورة، و53 طائرة ldquo;سوخوي 20rdquo;، وrdquo;جاسترب جيه -1rdquo;، وسرب يتكون من ست قاذفات للقنابل من طراز ldquo;تو- 22 بليندرزrdquo; السوفييتية بعيدة المدى، وعلى صعيد المروحيات تمتلك 30 مروحية من طراز ldquo;هيند مي-24rdquo;، و30 طائرة من طراز ldquo;هيز مي-14rdquo;، و8 طائرات من طراز ldquo;سوبر فريلون إس إيه - 321rdquo; الأوروبية الثقيلة، و19 طائرة من طراز ldquo;شينوك سي إتش470rdquo; ولديها المئات من طائرات التدريب من بينها طائرات ألبتروس، وطائرات ldquo;غالب جي-2rdquo;، وطائرات ldquo;ياك130rdquo; . وتمتلك صواريخ جو/أرض من نوع ldquo;سواتر إيه تي -2rdquo;، وصواريخ موجهة مضادة للدبابات محمولة على طائرات عمودية من أنواع ldquo;إيه إس ،7 ،9 11rdquo;، وصواريخ جو/ جو من أنواع ldquo;أتول إيه إيه -2rdquo;، ولديها 90 بطارية ldquo;سام إس إيه-2rdquo;، و10 بطاريات ldquo;سام إس إيه -3rdquo;، و48 بطارية ldquo;سام إس إيه -6rdquo; .

وجاء استخدام كتائب القذافي سلاح الطيران لقتل أبناء وطنه المدنيين الأبرياء بشكل غير مألوف ولا معهود، وتجاوزاً لجميع الحدود العسكرية والمدنية والأخلاقية، فهو سلوك أكبر من أن يحيط به الإدراك، إنه مشهد ظالم، تطير له القلوب وترتجف منه الأوصال، لذلك جاءت دعوة وزراء الخارجية العرب يوم 12/3/2011 في اجتماع لهم بمقر الجامعة العربية في القاهرة مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظر جوي على ليبيا من أجل حماية الشعب الليبي من هذه الترسانة المدمرة، ومساندته في نضاله من أجل الحرية، وتقويض استخدام السلاح الجوي، وتعطيل المقاتلات الحربية التي تقصف الشعب الأعزل . وفي يوم 17 مارس/آذار ،2011 تبنى مجلس الأمن الدولي قراراً يقضي بفرض حظر جوي فوق ليبيا بأغلبية ساحقة بعد أن صوتت عشر دول لمصلحة هذا القرار .

يعجز القلم عن تصور وصف لهذه الحرب بعد استخدام نظام القذافي سلاح الطيران العنيف والمروع من دون حد، وبتحرر من كل قيد ومن دون رحمة للمدن الليبية مثل مصراته وأجدابيا وغيرها، والمهدر لكل معنى ولكل حق وكرامة من دون أن يدرك صاحب الكتاب الأخضر أن نظامه قد مات، وشعاراته قد هوت واندثرت، ونظرياته انتهت في نسج من الحماقات والغرور والتفاهات، وأن الشعب الليبي قد بلغ اليوم تلك النقطة من نقاط الانعطاف الكبرى في تحديد تحوله ومسيرته، وذلك ليس من حيث كونه تحولاً حقيقياً فحسب، بل أيضاً من أجل الدفاع عن كرامته وحريته بالصمود والصبر، الصبر على الأذى ومشتقات الالتواء والعناد والباطل، والصبر والثبات على الحق ليعلن ميلاد التحرر في وطنه، تحرر من عبودية النظام، التحرر من القوة الضالة الطاغية والظالمة حتى يحكم الله لهم بالنصر . والله يقدر الأمور في مواقيتها وفق مشيئته ووفق حكمته وعدله ورحمته .