علي الظفيري

الثورات العربية في كفة، وما تشهده البحرين في كفة أخرى، يبدو مثل هذا الإقرار مقبولا عند كثير من الناس، حتى إن لفظة الثورة هنا باتت محل نقاش وجدل طويلين بين المتابعين لما تعيشه الدولة الخليجية الصغيرة منذ شهر تقريبا، والقول إن إرادتين شعبيتين تتناطحان هناك قول صحيح، ومهما كانت الغلبة العددية لشريحة على حساب أخرى، فإن الإجماع الوطني الذي ترتكز عليه فكرة الثورة لا يتحقق في الحالة البحرينية، وهذا ما لا تريد فهمه الطائفة الثائرة أبدا، تقول لك وبإلحاح يومي لا يتوقف: الجزيرة لا تريد المساندة، وكأن الجزيرة تملك حق إطلاق الثورات أو إيقافها، أو أن إرادةً سياسيةً ما حجبت الانحياز لهذه الاحتجاجات والتعاطف معها، وهذا غير صحيح أيضا، فبعيدا عن تفاصيل وسلوك وتطورات العملية الاحتجاجية، القول بعدم شموليتها كافٍ لإحداث ارتباك موقفيّ تجاهها على الصعيد الشعبي دونما حاجة لإرادة سياسية، الأمر الذي شهدناه بالفعل منذ اليوم الأول لاندلاع الاحتجاجات في البحرين وحتى البارحة.
هذه المرة الأولى التي تضطر فيها قوات درع الجزيرة للتدخل في شأن داخلي لدولة خليجية، فعلتها في حرب تحرير الكويت عبر مشاركة رمزية، وثانية أثناء غزو العراق عام 2003 إذ تم نقل جزء من القوة إلى الكويت أيضا تضامنا معها في تلك الظروف، لكن التدخل في البحرين طرح أسئلة جدية حول دور هذه القوة وطبيعة مهامها، من حيث كونها قوة مخصصة لحماية الدول أم الأنظمة في مجلس التعاون الخليجي؟ وحتى لو كانت إيران حاضرة وبقوة وبشكل غير مباشر في المشهد، فهل يجوز من الناحية المبدئية التدخل لصالح نظام ما في وجه شعبه!؟ وأين وكيف ومتى تنتهي مهام درع الجزيرة في البحرين؟
سياسيا يحق للمنظومة الخليجية أن تشعر بالقلق لما تتعرض له دولة عضو، خاصة أن ما ينتظرها جارٌ إيراني يحظى بتعاطف من الغالبية الشيعية الموجودة فيها، وهذا الجار لا يترك فرصة سانحة في المنطقة العربية إلا واستثمر فيها جيدا، مرة بحجة أمنه الوطني كما حدث في العراق، ومرات أخرى بأوهام وأطماع التوسع ومد نفوذ الثورة الإسلامية وتصديرها لمن يريدها ومن لا يريد، والدول الخليجية التي تابعت سوء الإدارة البحرينية للملف منذ اندلاع الاحتجاجات، أدركت في لحظة ما خطورة ما ينتظرها وينتظر المنظومة بأسرها في حال سقوطه جراء الاحتجاجات الني رفعت من سقف مطالبها عاليا وحددت أهدافها بكل وضوح، وكان لتركيا هذه المرة أن تلعب دور الغطاء في ظل غياب مصري وسوري، وخشية وارتباك أميركيين واضحين، لكن القلق من إيران يجب أن يصاحبه قلق آخر على الشعب البحريني ومستقبله والطريقة التي تدار بها أموره مما يوجد مساحة لإيران وغيرها!
لن أجادل طويلا في شرعية دخول القوات، ولا في نجاعة هذا الإجراء من عدمه، ولن أترك للطائفي الكامن في داخلي أن يحكم في الأمر، كما فعل من تجاوز كل أخلاقه وتمنى دك المتظاهرين وهدم منازلهم على رؤوسهم في البحرين، ما يقلقني كمواطن خليجي في مجتمع متباين مذهبيا هو سؤال التعايش، تستطيع كل فئة أن تمعن في قتل الفئة الأخرى أو تهميشها متى رجحت كفتها في ميزان القوة، كما شهدنا في العراق بعد احتلاله، وكما نشهد في إيران ضد السنة, وما يتعرض له الشيعة من تهميش، وبغض النظر عن الأسباب، فمن يقتل ويهمش يجد دائما التبريرات اللازمة لفعلته، إن ما يثير الرعب في نفسي هو مواقف الشباب والشابات وتعليقاتهم في مواقع الشبكات الاجتماعية حول القضية، حجم الكره والحقد والتهويل والمبالغات غير مسبوق أبداً لدى الطرفين، الشباب الذي حيا التغيير والثورة في مصر وتونس وليبيا يتحول إلى كرة لهب طائفية تتقاذفها الأطراف المتصارعة، شباب الفيس بوك والتقنية والأحلام والثورات والديمقراطية يتحول فجأة إلى متعصب أعمى يشتم ويدعو للقتل والعنف دون تفكير، ولمجرد أن الآخر يختلف معه في المذهب!!
ما تعيشه البحرين مقدمة لكارثة إقليمية، والسكوت عليه يعني التواطؤ على حالة التعايش المنشودة بين مكونات المجتمع في الخليج، وبإمكاننا أن نسجل الأخطاء على المتظاهرين الشيعة، بإمكاننا أن نسجل أخطاء كثيرة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ماذا يمكن للقتل أن يفعل، إلى أين سيأخذنا القمع والحصار والتشويه والتخوين والتخويف؟، وماذا سنفعل بالشيعة بعد ذلك!