يوسف الكويليت

بالرغم من سقوط بعض الضحايا في اليمن، إلا أن العقل يسود الشارع، ومع تعدد المذاهب والولاءات القبلية والنزاع المستمر مع الحوثيين، وانحياز بعض القبائل وقطاعات من الجيش، إلا أن السائد في هذه المعمعة إيجاد محاولات لتسويات لا تخلق صراعات أو ثارات بين المجتمع..

فبلد تتوزع على شعبه ستون مليون قطعة سلاح، وفقر وبيئة شحيحة في مواردها نجد ما يجري بين المعارضة والسلطة، ينزع إلى قابلية الحلول التي لا تدفع بالأزمة إلى صدامات مسلحة..

فتجارب الحروب الأهلية الماضية أعطت دروساً مستفادة، وطالما هناك أمل بقبول وساطة عربية أو إسلامية فإن هذا يعني أن الأبواب مفتوحة للوصول إلى حلول تتفق عليها أطراف المشكلة، وحتى الجيش ظل واعياً لمسؤولياته أي حماية المواطنين من المخاطر، وهذا يؤكد أن وعي المؤسسات الأمنية وقادتها، حتى في ظل احتدام الخلافات، ظل عالياً وموضوعياً..

الإقرار بالخلافات والمطالب المشروعة للمواطنين يجب أن لا يُلغي الحوار إذا كان هو الطريق لتسوية القضايا الحساسة، وإنهاء الاحتقان الشعبي ووسيلة الإنقاذ، فإعلان ثورة بلا ضوابط ربما يتحول إلى كابوس يوسّع دائرة الانشقاقات، واليمن بتراثه وانفتاحه ووجود مساحة جيدة للنقد لكافة الأجهزة، وطبقة تمرست بالسلطة وامتلكت ثقافة كبيرة، ثم بوعي الشعب بكافة الاحتمالات التي تؤدي إلى مخاطر، يؤكد أن الوحدة الوطنية هي هدف سامٍ عام لا يجوز التلاعب فيه، أو تركه للرياح التي تهب من الخارج بإفساد الهدف بما يجري في الداخل كقضية غير قابلة لاستيراد الإملاءات أو التلاعب على التناقضات الداخلية..

في هذه الأجواء لابد من حضور عربي فاعل يتقدم بطرح تصورات للحلول طالما توجد هناك أرضية لقبول الوساطة وهي مسؤولية مشتركة سواء من دول الخليج، أو جامعة الدول العربية والمنظمات الإسلامية مع احترام مختلف الآراء، وخطورة الموقف أن اليمن مهمّ جداً لأمن دول مجلس التعاون قبل غيرها، وبالتالي فإن ترك الأمور تجري نحو واقع مجهول يعد تقصيراً خطيراً..

صحيحٌ أن للشعب كلمته الأساسية ورأيه المهم، ولكنه أمام حافز مغريات أي تدخل خارجي، سوف يوازن بين هدف إزالة السلطة بأي مبرر، وبين ما ستؤول إليه النتائج، واليمن كأي مجتمع عربي لديه قابليات الخلافات، لكن وضعَ السلاح بيد المواطنين له مخاطره، لاسيما وأن الجماعات الدينية، والأحزاب ومعهما القبائل والمذاهب قد تنشق على نفسها وهذا مصدر الخطر على المنطقة كلها..

الرئيس اليمني مدعو لأنْ يكون شجاعاً في مواقفه بأن يفوت على المتلاعبين أهدافهم، وأن يكون صاحب موقف تاريخي لإنقاذ بلده من أي احتمالات تجره للمآزق الصعبة، إذ مهما كانت مغريات السلطة، فالوطن هو الأهم والأبقى، والشعب اليمني يستحق من يمنحه الثقة والتضحية، لأن مقارعته لظروف الفقر والحروب التي فرضت نفسها عليه، تعطيه الحق في أن يعيش بسلام وحرية يقودانه للتنمية والعدالة الاجتماعية..