محمد صالح المسفر


كل الدلائل تشير إلى أن رياح التغيير السياسي في الأجواء العربية تتجه نحو الخليج العربي.الرياح التي هبت على تونس وعلى مصر العروبة ـ وأطاحت بالنظامين السياسيين هناك بأقل تكلفة في الأرواح وموارد الإنتاج ـ كانت رياحا ربيعية. رياح التغيير في ليبيا أخذت منحى آخر، وجه معمر القذافي وبنيه اتجاه تلك الرياح لتكون عاصفة ماحقة للشعب الليبي الشقيق الأمر الذي استدعى كل القوى العربية والإفريقية والدولية لحماية المواطن الليبي الأعزل المحروم من الحرية والمشاركة السياسية، إلى جانب مصالح تلك الدول في الهيمنة على موارد الطاقة في كل مكان.
من شمال إفريقيا انتقلت تلك العواصف السياسية لتحط رحالها على جمهورية اليمن العزيزة المقهورة من حكامها، وخرج الشعب اليمني بكل اتجاهاته السياسية وعقائده، بكل مفكريه وطلابه، والقيادات الدينية، والقيادات العسكرية والسياسية والبرلمانية كلهم خرجوا إلى الشارع مطالبين بالتغيير، مطالبين برحيل النظام كاملا بعد أن كلّ الشعب من مطالبة القيادة السياسية بإصلاح النظام، لكن علي عبدالله صالح يرفض الإصلاح ويرفض الرحيل ويهدد بالحرب الأهلية إن استمر الشعب في مطالبه ويتزايد خروج قياداته العسكرية والمدنية عن طاعته وانضمامهم إلى الشعب في ساحة التغيير. لقد بليت أمتنا العربية بأحمقين حتى هذه اللحظة، الأول القذافي وقد تولت أمره القوى الدولية بهدف تخليص الشعب الليبي من فُجر القذافي وبنيه، أما عبدالله صالح فإن الشعب اليمني المسلح سيتولى أمره دون حرب أهلية أو صراع على السلطة quot;وإن غدا لناظره قريبquot;.
(2)
على الخليج العربي هبت رياح صرصر عاتية محور ارتكازها في مملكة البحرين وتتمدد نحو الكويت والمملكة السعودية ودولة الإمارات واشتدت موجتها في سلطنة عمان. وفي البحرين وعمان وقعت وقائع عنف راح ضحيتها أنفس بريئة ما كان لها أن تقضي في مثل هذه الظروف. في عمان أدرك السلطان قابوس خطورة الوضع وأسرع لإيجاد الحلول ولو جزئية وكان له ما أراد في عودة الهدوء وتحققت مصالح الحاكم والمحكوم، علما بأن هناك مطالب وطنية ما برحت تبحث عن جواب، والحق أن حكمة السلطان قابوس ستتغلب على كل المصاعب وأنه قادر على إرضاء شعبه. ومن المؤسف أن نواجه بغياب العقل السياسي في البحرين الأمر الذي أدى إلى تصاعد الأزمة القائمة بين الشعب والقيادة السياسية، وأصبح لتلك الأزمة السياسية محرضون ومشجعون من خارج الحدود. كنت متابعا لأحداث البحرين منذ سنين وتوقفت طويلا عند بنود المطالب الشعبية للإصلاح في الفترة الأخيرة، والرأي عندي أنها مطالب مشروعة وسهلة التحقيق لو حسنت النوايا.
لكن يثور سؤال ما هي دلالة رفع صور قيادات أجنبية في مسيرة وطنية تطالب قياداتها بالإصلاح وإعطاء الحقوق؟
ما هي دلالة (اللطم) أي ضرب الصدور بإيقاع واحد في مسيرة سياسية تطالب بالإصلاح السياسي؟
ما هي دلالة قول قيادات طائفة دينية بأننا الأغلبية ويجب أن نسود؟
والسؤال المثار هل المطلوب سيادة وحكم أم عدالة وإصلاح سياسي شامل؟
قد يتبرع البعض بالإجابة على هذه التساؤلات، وأنا لا أبحث عن الإجابة. لكني أقول قد يلتقط هذه الملاحظات بعض أصحاب النوايا السيئة فيؤلبون النعرات الطائفية ويستعدون النظام والنظم المجاورة لهذا الحراك الوطني. وفي الجانب الآخر ما هي دلالة الاصطفاف المذهبي والنعرة القبلية إلى جانب صانع القرار في مثل هذه الظروف حالكة السواد. وسؤالي إلى كل عقلاء البحرين الماسكين بزمام السلطة هناك، ما هي المعضلة السياسية في عدم تشكيل حكومة جديدة وإسناد رئاستها إلى شخصية بحرينية مرموقة وموثوق بها من كل الأطراف اتقاء فتن واستجابة لمطالب شعبية؟ ولنا في تاريخنا عبر، فهذا الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نحى خالد بن الوليد الملقب بسيف الله المسلول عن القيادة اتقاء فتنة. ما هي المعضلة السياسية التي ترفض الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين بهدف وأد الفتنة؟
والحق إن النظام السياسي في البحرين قد تباطأ في إيجاد الحلول المرضية لكل الأطراف (الشعب والدولة) وراح المطالبون بالإصلاح يرفعون سقف المطالب إلى الحد الذي طالبوا بقيام جمهورية البحرين الإسلامية، وهذا في اعتقادي استعداء كل المحيط الجغرافي.
إن قرار استدعاء قوات درع الجزيرة من قبل مملكة البحرين في تقدير الكاتب خطأ سياسيي كبير يزيد المسألة تعقيدا ولا يحقق الأمن والاستقرار للنظام السياسي هناك. إن القوة المسلحة ليست الأداة الصالحة لمواجهة مطالب المواطنين. إن الأداة الأمثل هي الحوار غير المشروط من قبل النظام، لأن النظام هو الراعي وعليه مسؤولية الاستجابة، النظام السياسي هو الأقوى وهو يحكم بشر لهم حقوق ومطالب وعليهم واجبات المواطنة، الراعي عليه أخذها في الاعتبار والعمل على تحقيق ما يمكن تحقيقه اليوم وما يمكن تحقيقه في الأجل المنظور.
آخر القول: حكماء الخليج العربي قادرون بحكمتهم وتجاربهم على إيجاد صيغة لوفاق وطني في مملكة البحرين يجمع الحاكم والمحكوم بعيدا عن التلويح بالقوة أو التهديد بها، إن الخليج العربي ليس مصر ولا ليبيا ولا تونس فإن له خصوصية ولا نريد اختلال توازن تلك الخصوصية.