سامي سعيد حبيب
لم يخطر بالبال مقدار الأسى و الحزن الشديدين اللذين يخالجان القلوب و يخالطان النفوس و نحن نرى حياً على الهواء على شاشات الفضائيات بعضاً من مشاهد قصف قوات التحالف ( بشكل رئيسي حلف الناتو ) لقوات نظام laquo;العقيدraquo; معمر القذافي بطلب من الجامعة العربية و بقرار من مجلس الأمن يحمل الرقم 1973 ، و سبب الحزن و الأسى المتجدد مع كل ضربة ، رغم القناعة بأهميتها في زحزحة القذافي و أبنائه عن سدة الحكم في ليبيا و تشكيل المصير النهائي للثورة الليبية على الظلم و الطغيان و تسليم البلاد لأهلها ، ليس بالطبع التعاطف مع نظام مجرم أثيم آلى إلا أن يشن حرباً ضروساً على شعب أعزل يرى فيه رأس النظام جرذاناً و جراثيم ، شعب يرفض العبودية لغير الله رب العالمين ، و لكن لأن البلاد التي تقصف ليل نهار هي ليبيا المسلمة العربية الشقيقة التي لها في النفوس كبقية بلاد العرب و المسلمين كل الحب و التقدير ، و أن كل دمار يلحق بها و ببنيتها التحتية هو في المحصلة النهائية فت في عضد الأمة المسلمة ككل ، و أن كل ترويع للأبرياء من أبنائها نتيجة تلك الضربات هو ترويع لكل أبناء الأمة الإسلامية فالمسلمون كالجسد الواحد إذا أشتكى منه عضو تداعت له بقية الأعضاء بالسهر و الحمى.
تكتنف ضربات التحالف التي تعلن مبدأ حماية المدنيين الكثير من الغموض و التساؤلات و المخاوف و على رأسها الخوف من نوايا مبيتة لتحول من الضربات الجوية ضد نظام القذافي تدريجياً و طبقاً لمنطق الحرب laquo;الإنسانيةraquo; إلى غزو غربي لليبيا كما تم غزو العراق و أفغانستان أو الوصول بليبيا إلى مستوى دولة فاشلة كما هو الحال في الصومال ، أو حتى لفرض قيادة ليبية جديدة موالية للغرب على حساب مصلحة الشعب الليبي ، و أفعال الغرب في عالمنا العربي و الإسلامي لا سيما خلال العقدين الماضيين قد عودتنا أن نظن بالغرب أسوأ الظنون و أن تعريف الإستقرار عندهم أن يقوم على الأنظمة مستبدون يسلبون الشعب حقوقه و يملون عليه سياسته الخارجية ، و إلا لماذا لم تصاحب الحملة الأطلسية حتى الآن جهود سياسية موازية للإعتراف بالمجلس الوطني الليبي الذي من المفترض أن يمثل الشعب الليبي و ثورته سوى المبادرة الفرنسية بل على العكس ثمة تصريحات لساسة غربيين عن التوصل لحلول سياسية مع laquo;القائدraquo; القذافي ، و لماذا الغياب شبه الكامل للدعم الميداني للمقاومة الليبية بالتسليح و التدريب كي تتمكن من جني ثمار الإستفادة من الضربات الجوية ضد القذافي و كتائبه المقاتلة ، خصوصاً بعدما تبين أن المقاومة لا تعدو أن تكون مجرد تجمعات عشوائية من المدنيين حملوا ما تيسر لهم من سلاح خفيف للدفاع عن النفس يعوزها التنسيق و المعرفة العسكرية. فما الحكمة إذاً من حظر جوي لا تستطيع المقاومة الليبية الإستفادة منه على الوجه الذي يحقق الهدف ؟
لا ينقص المقاومة الليبية الإرادة و العزيمة و لا الشجاعة و لا التضحية لقتال القذافي و كتائبه التي يقودها أبناؤه و التي تستعين بعشرات الألوف من المرتزقة الذين يستقطبهم القذافي بأموال طائلة ينفقها و تعينه في ذلك إسرائيل حكومةً و شركات laquo;أمنيةraquo; لحرب الشعب الليبي الذي يرى فيه ربما بسبب أصوله اليهودية جرذاناً و جراثيم ، لكن تنقصها المعرفة العسكرية و التسليح المتطور الفعال ضد أسلحة كتائب القذافي الثقيلة ، و ينقصها التدريب العسكري و كما تعوزها المعلومات الإستخباراتية الحربية و الصور الفضائية الحية لتحركات قوات القذافي بشكل دائم و ينقصها تنسيق المجهود الحربي من قبل قيادة مركزية موحدة ، و هذا النوع من الدعم مجرب بنجاح في عدد من التجارب العالمية من بينها التجربة الأفغانية عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية مع عدد من الدول العربية بدعم المجاهدين في الحرب الأفغانية ضد الإتحاد السوفيتي السابق في ثمانينات القرن الماضي ، و نجح الدعم نجاحاً كبيراً و لمعت نجومية أسلحة معينة في تحديد مسار المعارك كمثل صواريخ laquo;ستينغرraquo; المحمولة على الأكتاف و التي شكلت حينها تهديداً كبيراً على الطيران الحربي السوفيتي لا سيما الطيران العمودي. و يمكن تصور أن تؤتي نتائج تسليح المقاومة الليبية أكلها بشكل سريع ربما بالكثير خلال أسابيع إذا تم إحكام حصار التسليح و على تدفق المرتزقة إلى ليبيا.
يمكن قراءة القرار 1973 بأنه يمنع تزويد نظام القذافي بالسلاح و لا ينطبق ذلك على المقاومة الليبية ، كما يجب أن لا تحول laquo;فزاعةraquo; الإسلاميين و القاعدة و laquo;الجهاديينraquo; التي لجأ إليها نظام laquo;العقيدraquo; القذافي مراراً و تكراراً لإخافة الغرب من دعم الثورة الليبية و تقديم نظامه على أنه صديق الغرب الأوفى و حامي حمى أوروبا من الهجرات الأفريقية و صمام الأمان للكيان الصهيوني ، يجب أن لا يحول دون دعم الدول العربية من القيام بتسليح المقاومة الليبية و دعمها سياسياً و لوجستياً ، و إن أستدعى الأمر في مرحلة ما وجود عسكري خارجي على الأرض الليبية فليكن إذاً عربياً رفعاً لكل حرج عن المقاومة و قيادتها و نفياً لكل الهواجس و الظنون و المخاوف من أذهان أبناء الأمة المسلمة عن غزو أجنبي لليبيا. إنها أيام مجيدة يسجل فيها الشعب الليبي ثورته ضد من يريد استعباده من دون الله تعالى فهل يتيه التاريخ فخراً أن بعضاً من الدول العربية كانت شريكاً داعماً في صناعة تلك الأمجاد , اللهم آمين.
التعليقات