يوسف الكويليت
مخاوف ما بعد الثورات بدأت هاجساً شعبياً عاماً ليس لأن هناك فراغاً حدث، ولكن الخشية من ملئه بخاطفين جدد، وهذا يقاس بالنسبة لمصر وتونس اللتين لا تزال ملامحهما غير واضحة، وهناك محاذير يطلقها الإعلام الخارجي ترشح التيارات الدينية لأنْ تكون البديل باعتبارها أكثر تنظيماً من غيرها، ولها ثقلها في البلدين.
أما بقية البلدان التي تعيش حالات متوترة فيقودها شارع يرغب في التغيير، وهنا أخذت المطالب تطرح شعارات الحرية والعدالة والديمقراطية، وهي مشاريع تأخرت أزمنة طويلة حتى قيل إن العربي، بنزعته القبلية والدينية، غير قابل لممارسة هذا الأسلوب من السلطة الناجحة عالمياً، ومع ثورة الشارع بدأت الحسابات والنظريات، والأفكار تتغير أي أن العربي إنسان لم يفقد أمله في العيش أسوة بنظائره في العالم، لكن هل تأتي التهيئة للديمقراطية بضوابط يقبلها الشارع بأن تتجه الأمور إلى مراحل انتقالية، ثم من هو الضامن الذي يستطيع منع الانهيار الأمني الذي قد يُحدث انتكاسة لهذه الثورات؟
فهناك الفقر السائد والأمية، مقابل الثراء الطفيلي الذي نشأ في ظل تلك السلطات وكوّن طبقتين، منعمة لم تقم بدور التنمية الحقيقية، بل المكاسب السريعة، وهناك الطبقة السفلى التي تعيش تحت خط الفقر، وبينهما أُنهيت الطبقة الوسطى، والتي يشكل جيل المتعلمين والمثقفين معظمها، والتي هُمشت نتيجة فساد لم يضع في حساباته أن هذه الفئات غير عاجزة عن التحرك وقيادة التغيير، وبالتالي فإن هذه الأجواء ستزيد المصاعب بتطبيق فوري للديمقراطية من خلال الاقتراع الحر، ولا يعني هذا عودة المعسكرات القديمة كمبرر لعدم تحقيق الأهداف التي نادى بها الثوار، وإنما إيجاد الطريق من خلال حوار وطني مفتوح يتلمس كل الرغبات والمطالب حتى لا تنسد الآفاق، أو يأتي من يقفز على الواقع ويعيد سيرة حكم جديد من خلال حزب أو قوة عسكرية تنشأ بدل طرح شعار الديمقراطية كمرحلة، ثم تعاد الصور والممارسات القديمة بما هو أسوأ..
مجتمعات أخرى تبرز فيها قوى داخلية فاعلة مثل الطائفية والقبلية والحزبية الحكومية، وفي هذه الأجواء يُرفع شعار الاستبدال والإحلال برموز حاكمة جديدة، لكن لا تزال الضبابية تحكم الشكل الذي يمهد لسلطة وطنية تجمع الشتات في وحدة وطنية غير قابلة للتمزق، وعلى الأخص تشابه الواقع القبلي بين اليمن وليبيا، والأخيرة ربما يغطي أيَّ إخلال بالوحدة تواجدُ قوات دولية، ثم إمكانات موارد النفط وأموال القذافي وأسرته والمتعاطفين معه إذا ما تم صرفها وتوجيهها لتنمية حقيقية تمهد لدور سياسي ديمقراطي يتعايش فيه كل الفرقاء..
اليمن وحده من لديه المخاطر، ورغبة التغيير تحركها ظروف الوضع الداخلي لكن لو جاء البديل هل سينجح ويبقي إطار وحدة الشطرين والقوى الداخلية في حالة انسجام تام، ويكون الشعب على مستوى المسؤولية بتحمّل رحلة الانتقال؟ أم أن مجرى الأحداث سيتغير بما لا يتكهن به أي إنسان؟
التعليقات