إياد الدليمي

ربما صار هذا السؤال لازمة لأية جلسة للحديث عما يجري في عالمنا العربي اليوم من ثورات بدأتها تونس ولا يبدو أنها ستقف عند حدود اليمن أو ليبيا، فهذه سوريا تطرق باب الثورات بقوة، ومن بعدها لا أحد يعرف إلى أين يمكن أن يصل نسيم الياسمين الذي فاح أولاً من تونس.
ولعل هذه التراتبية في التوقيت بين ثورة عربية وأخرى، ونجاحاتها وامتداداتها، وفّر أرضية مناسبة للحديث عن الجهة التي تقف وراء هذه الثورات العربية.
يرى البعض أن هناك أياديَ خفية تحرك أطراف اللعبة الثورية في عالمنا العربي، ووفقاً لوجهة النظر هذه، فإنه لا يمكن أن تكون المسألة عفوية هكذا، وإذا فهمت العفوية بالنسبة لثورة تونس، فإنها لا تفهم في مصر ولا في ليبيا ولا في اليمن ولا في سوريا أو المغرب، وبالتالي فإن الحديث عن يد خارجية خفية تلعب على وتر الثورات العربية يكون وارداً بالنسبة لهؤلاء.
ووفقا لهذه النظرية لمحرك الثورات العربية، فإن أميركا ربما تكون هي المستفيد الأول مما يجري من خلال خلق الظروف المواتية للثورات العربية ودعمها إن لزم الأمر، وذلك تحقيقا للشرق الأوسط الجديد الذي سبق أن بشرت به كونداليزا رايس وزيرة الخارجية في ظل إدارة الرئيس السابق جورج دبليو بوش، وهو الشرق الأوسط الذي أخفقت أميركا في رؤيته بفعل المقاومة العراقية التي نجحت في تحجيم تطلعات إدارة بوش.
لا أنتمي لهؤلاء، ولا إلى أصحاب هذه النظرية التي تحيل كل شيء إيجابي إلى أطراف خارج حدود الوطن، والتي ترفض أن تصدق أن لدينا اليوم جيلا شبابيا واعيا لم يعد همه الأول والأخير الوظيفة أو الزوجة أو لقمة العيش، بل هو يريد أن يكون إنسانا في وطنه قبل كل شيء ثم تأتي البقية، وهذا الإحساس، الإنسانية، للأسف انقرض أكثرُ من جيل عربي ولم يعش شيئا منه.
الثورات العربية التي تجري اليوم إنما جاءت ردة فعل على كل تلك السنوات الطويلة من القمع والقهر والإذلال والإهانة، حتى تساوى فيها الموت بحياة مطعمة بعار الانتهاكات اليومية لحقوق المواطن.
جرى ما جرى في تونس، خرج البوعزيزي غاضبا من دائرة البلدية بعد أن صُفع بـ laquo;كفraquo; على وجهه من إحدى الموظفات التي رفضت الإفراج عن عربته التي صادرتها البلدية، أحرق نفسه ليحرق من بعده كل تلك الأنظمة الديكتاتورية التي مارست وما زال من بقي منها يمارس كل أساليب الإذلال.
نعم العدوى انتقلت بين الشعوب، هذا صحيح، والسبب يسيرٌ وهو أن الشعوب العربية بعد تجربة تونس شعرت أن بإمكانها أن تغير، أن هناك اليوم واقعا مغايرا لا يمكن لأي حاكم مهما بلغ من الظلم والاضطهاد أن يقتل شعبه بلا رقيب أو حسيب، كما اعتاد حكام العرب.
انتقلت العدوى؛ لأن الشعوب شعرت في لحظة أن هذه الأنظمة القمعية إنما هي نمور من ورق، قوتها كاذبة وسطوتها زائفة، بل إن الكثير ظل لأيام غير مصدق أن زين العابدين بن علي هرب وترك كرسي الحكم.
ولكن رغم كل شيء فلا يبدو أن الثورات العربية ستنجو من يد الغرب وأميركا، فبعد أن أيقنوا أن الشعوب العربية ماضية لرسم مصيرها، صرنا نسمع من واشنطن وعواصم أوروبية نغمة مغايرة، فيها لين ومهادنة لهذه الشعوب التي ظلت تُضطهد على عين عواصم الغرب المنافق.
بالتالي لا يجب أن يترك لواشنطن وعواصم أوروبا الخيار في تسيير وجهة البلدان العربية التي تحررت من ظلم حكامها، على الجميع أن يكون متيقظا، حتى لا تقطف أميركا وأوروبا ثمار الياسمين قبل الشعوب التي زرعته.