مع أول انشقاق قام به قائد أول دبابة تابعة لقوات الزعيم الليبي معمر القذافي وانضمامه إلى أبناء عمومته المتظاهرين في بنغازي، ألقى تساؤل بظلاله على ما تشهده البلاد من أحداث، فهل المعركة التي تشهدها ليبيا عبارة عن صدام بين دكتاتور وحشي ومعارضة ديمقراطية، أم أنها في الأساس حرب أهلية قبلية؟

منذ اللحظة التي انشق فيه قائد أول دبابة تابعة لقوات الزعيم الليبي معمر القذافي وانضمامه إلى أبناء عمومته المتظاهرين في شوارع بنغازي، ألقى تساؤل بظلاله على ما تشهده البلاد من أحداث، فهل المعركة التي تشهدها ليبيا عبارة عن صدام بين دكتاتور وحشي ومعارضة ديمقراطية، أم أنها في الأساس حرب أهلية قبلية؟

ومن الممكن أن تحدد الإجابة على هذا التساؤل مسار الانتفاضة الليبية ونتائج التدخل الغربي على حد سواء. وفي هذا السياق، أفادت صحيفة quot;النيويورك تايمزquot; الأميركية اليوم بأنه وفي تسلسل الأحداث المفضَّل لدى الغرب، فإن الضربات الجوية تُمَكِّن المتمردين من الإتحاد مع السكان السلبيين حالياً في المنطقة الغربية حول طرابلس، تحت راية ثورة ديمقراطية في الأساس هدفها هو الإطاحة بالعقيد معمر القذافي.

ومع هذا، توقع القذافي العكس: وهو أن الثورة ليست إلا حرباً قبلية يقودها السكان في شرق ليبيا ضد سكان الغرب، وأنها الثورة التي ستنتهي إما بفوزه أو بفترة طويلة من الفوضى. ونقلت الصحيفة في تلك الجزئية عن بول سوليفان أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون والذي سبق له دراسة الشأن الليبي، قوله: quot;إنه تساؤل غاية في الأهمية وإجابته ربما تكون أقرب إلى الشيء المستحيل. وقد تحدث مفاجأة كبيرة للغاية حين يرحل القذافي ونرى مع من نتعامل حقاًquot;.

ومضت الصحيفة تقول إن سلوك حكومة التمرد الناشئة في بنغازي لم تعرض حتى الآن سوى بعض القرائن التي تدل على الطبيعة الحقيقية للمتمردين. وبينما يتكون مجلسهم الحاكم من محامين وأكاديميين ورجال أعمال ذوي عقلية علمانية ويتحدثون عن الديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، فإن التزامهم بتلك المبادئ يخضع الآن للاختبار، وهم يواجهون احتمالية تواجد جواسيس تابعين للقذافي فيما بينهم، إما مع عدالة قبلية فظة أو عملية قانونية أكثر اعتدالاً.

ومثل حكومة القذافي، أوضحت الصحيفة أن العملية حول مجلس المتمردين تعج بالروابط الأسرية. ومثل رؤساء وسائل الإعلام الرسمية الليبية، لا يشعر المتمردون بالولاء للحقيقة في صياغة دعاياتهم، وإدعاء انتصارات غير موجودة في ساحات القتال، وتأكيد أنهم لا يزالون يحاربون في إحدى المدن الرئيسية بعد أيام من سقوطها في أيدي القوات الموالية للقذافي، وعرض مزاعم مبالغ فيها عن سلوكياته الوحشية.

وقد أشار مشككون في مدى التزام المتمردين بالديمقراطية إلى تاريخ ليبيا القصير والوحشي. فحتى الثورة التي قام بها القذافي عام 1969، نادراً ما كان ينظر إلى ليبيا على أنها دولة، حيث كانت مقسمة تحت حكم ملكها السابق إلى ثلاثة مقاطعات منفصلة، يعيش في كل منها عدد لا يحصى من قبائل الرعاة الريفيين أشباه البدو. وكانت عمليات القتل القبلية الإنتقامية وأعمال العنف هي المصدر الرئيسي للعدالة.

ورغم الجهود المضنية التي بذلها العقيد القذافي لتوحيد البلاد، إلا أنه لم يفعل شيئاً يُذكر في سبيل تهدئة ثقافة العنف. ويقول مؤرخون إن القذافي كان غالباً ما يسعى وراء الاستفادة من الثقافة العدوانية للعديد من القبائل، بما في ذلك توريد الأسلحة إلى قبائل الصحراء لمحاربة قبائل أخرى عبر الحدود في تشاد، أو كما حدث مؤخراً بتسليح قبائل الساحل المركزي لمحاربة المتمردين المنتشرين في شرق البلاد.

وفي أحياء العاصمة التي نظمت احتجاجات سلمية كبرى ضد العقيد القذافي، أكد كثيرون ممن تحدثوا إلى الصحيفة، بعد أن رفضوا الكشف عن هوياتهم، أن مظاهراتهم كانت سلمية لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على أسلحة بسرعة كافية. وهي الوضعية التي تتناقض بصورة كبيرة للغاية مع ما كان يحدث في الجارتين، تونس ومصر. حيث كان يرى المتظاهرون أن اللجوء إلى العنف لن يصب في مصلحتهم.