يوسف الكويليت
كل نظام عربي يأتي على أنقاض آخر، يأخذ بروح الانتقام من السابقين، سجناً وتهجيراً وعقوبات تصل إلى حد الإعدام لهم، وهذا نتيجة حكومة الوجه الواحد، التي تبني داخلها أحزمة من الأتباع والأزلام، وأذرعة بوليسية تداهم وسط الليل والفجر كل من يعادي الدولة باسم رابطة المصالح الشخصية، وهنا لا يتم التفريق بين من كان مجبراً على مسايرة النظام لحفظ حياته واستقراره، وبين العناصر المستفيدة التي تبني ثرواتها وقوة نفوذها بالدولة..
انتقمت حكومات ما بعد الاستقلال بالجزائر من جبهة التحرير. التي كانت عصب النضال للشعب لاعتبارات فسادها، وحل حزب البعث في العراق واُنتقم من أعضائه بجريرة جرائم صدام، وأنظمة عربية عديدة ألغت قوى حزبية، أو اتحادات عمالية، وكان آخر المبعدين عن السلطة؛ حزب الرئيس التونسي السابق بن علي كمطلب هذه المرة شعبي..
قبل أن تُتخذ هذه القرارات، لم يكن أحد يقيّم الأشخاص المنتمين لتلك الأحزاب أو يفتش في سجلاتهم، ممن كان يستخدم سطوة السلطة لأغراض شخصية أو لانتقام من آخرين، ومن اضطرته ظروف الاندماج في حزب الدولة حتى يحافظ على وظيفته أو حياته من القتل أو الإقصاء، دون أن تسجل عليه وقائع تدينه، فمثل هذا يبقى مواطناً لا يجوز استئصاله بمزاعم أنه تابع لدولة متسلطة أطيح بها وبكل جذورها، وقد ظلت هذه الأساليب عادة عربية حتى لمن اتسموا بالنزاهة من ضباط أمن وجيش ورجال أعمال وموظفين وغيرهم..
لقد خسر العراق بسبب حل جيشه الذي اُعتبر بعثياً صدامياً، أمنه الوطني، وحتى من هجّروا أو سجنوا في عهده من أعضاء الحزب، ظلت مطادرتهم قائمة، وهذا ما تسبب في تآكل الانقلابات والثورات عندما حل الإبعاد والتصفية محل التسامح وخلق مصالحة وطنية، ليأتي رد الفعل بنفس القسوة سواء جاء من خلال تنظيمات سرية بدوافع مختلفة، أو تحول إلى أدوات تستخدمها قوى أخرى..
حق المواطنة لا يزيله استبدال نظام بآخر، إلا من ثبتت إدانته من خلال سوابق ووقائع عليها شهود قائمون، أما من أقاموا علاقات مع النظام، أياً كان نوعها بالإكراه، فهؤلاء لا يحق اتهامهم، بما أن كل الشعوب تخضع لتلك السلطات، ومبدأ الانتقام شريعة تضاد المصلحة الوطنية، ولعل تونس تتجاوز حالات الفراغ والانفعالات الحادة بما يوفر للجميع سلطة شرعية منتخبة تراعي كل الظروف بمن فيهم من عايشوا الدولة السابقة من أعضاء الحزب أو أي جهة عملت معها، ويمكن أخذ العبرة من زعيم جنوب إفريقيا (ولسون مانديلا) الذي تسامح حتى مع البيض العنصريين..
التعليقات