محمد السعيد ادريس
على الرغم من كل المعيقات والتحديات التي تعرقل فرص كل من العراق ولبنان للانخراط في الحالة الثورية العربية الراهنة الطامحة إلى العدالة والحرية والسيادة الوطنية فإن قوى وطنية عديدة في العراق ولبنان كانت حريصة على أن تكون شريكة في هذه الحالة العربية الفريدة، وأن تحاول وتسعى لتخليق ثورتها من ركام معاناتها خصوصاً بعد أن وصلت رياح الثورة إلى جوارها المباشر في سوريا والأردن وبعد أن أصبح اليمن وليبيا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الانتصار وإسقاط نظاميهما الفاسدين .
لكن تبقى لكل من العراق ولبنان خصوصياته وتحدياته وفرصه للوصول إلى الهدف المبتغى، وتبقى أيضاً لكل منهما إبداعاته الخاصة لتأسيس ائتلاف وطني من بين ركام تحديات سياسية وعسكرية وأجنبية غير مسبوقة .
الإبداع اللبناني أخذ يفرض نفسه بعد أن وصل الشباب إلى تلمس حركة الأزمة الاجتماعية - السياسية في لبنان وهي: النظام الطائفي، أو الطائفية السياسية، ونجحوا في صياغة وبلورة شعارهم الثوري التاريخي المفعم بالخصوصية اللبنانية وهو: ldquo;الشعب يريد إسقاط النظام الطائفيrdquo; بعد أن أدرك هذا الجيل الجديد من الشباب اللبناني أن الصراع في لبنان ينشأ عادة من معادلة سياسية رئيسية هي عدم قدرة أي أكثرية على تجاوز أي أقلية بسبب قيود الطائفية السياسية التي أخذت تفرض تسويات حلول وسط دمرت لبنان وأعاقت تقدمه ونهوضه، وهم بإدراكهم لهذه الحقيقة وإعلان تحديهم لها أثبتوا أنهم معنيون بشأن وطنهم ومستقبله، وأثبتوا أيضاً أن مقولة ldquo;اللبناني المستلب الجاهل الذي لا يعرف ما يريدهrdquo; هي مقولة خاطئة، طالما أنه استطاع أن يتجاوز سلبيته ويعرف ما يريد .
فقد انطلقت طلائع الثورة من شباب لبنان ومن كل الطوائف والتيارات السياسية قبل خمسة أسابيع ومازالت متواصلة للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي، ونجحت في تنظيم ثلاث تظاهرات، ورفعت فيها شعار ldquo;الشعب يريدrdquo; ما يعني حصر هذا التحرك بالشعب اللبناني وأبنائه وليس السياسيين والقيادات الحزبية التي هي ذاتها واجهات طائفية للنظام الذي ينادون بإسقاطه .
شباب التظاهرات كان واعياً بحقائق الواقع السياسي - الاجتماعي المأساوية لذلك حرصوا على تأكيد أن مطالبهم واضحة وأن التحرك ldquo;شبابي لبناني محايد بامتياز، وأن لا أحد يمكن أن يصادرهrdquo;، وحرصوا أيضاً على رفض مشاركة أي حزبيين ينتمون إلى جهات سياسية تحكم باسم أحزابها تلك، وكانوا أكثر حرصاً في تأكيد ماذا يريدون في خطوة اعتبرها بعضهم تفوقاً على أقرانهم من شباب الثورة في تونس ومصر الذين أسقطوا، في رأيهم، النظام الحاكم من دون أن يعلنوا برنامجاً سياسياً واضحاً للحكم، فقد حدد ldquo;الثوار الجددrdquo; في لبنان مشروعاً سياسياً يبدأ من إسقاط النظام، ويصل إلى دولة علمانية مدنية (لا دينية - لا طائفية) تحكمها الكفاءات، ويتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات، ووضع نهاية لظاهرة توريث المناصب والزعامات على أسس طائفية، والتأكيد أن دعوة إسقاط النظام السياسي الطائفي القائم تعني الآن وبوضوح شديد إسقاط مجلس النواب الطائفي، والدين العام والسرقات، ومحاسبة المسؤولين عنها، وإقرار حق الانتخاب بالنسبة إلى من هم في سن الثامنة عشرة، وإقرار قانون انتخابي يمثل الشعب، ووقف التحريض الطائفي والمذهبي، وتربية الأجيال على المواطنة والإنسانية .
قد يعتبر البعض أن هذه المطالب ونجاح هذه الثورة ldquo;حلم بعيد المنالrdquo;، وأن الوصول إلى مرحلة تكوين الائتلاف الوطني الجامع القادر على إسقاط النظام وتجاوز حالة الانقسام الراهنة بين تياري 14 آذار و8 آذار يبدو مستحيل في ظل الصراع الراهن حول المقاومة وسلاحها، وحول المحكمة الدولية، وفي ظل اختراقات النظامين الدولي والإقليمي .
لكن من قال إن الثورة مستحيلة؟ إن ما يحدث الآن في لبنان هو عمليات جراحية في عمق الوعي السياسي والوطني كي يفيق الإنسان في لبنان ويثور لتفكيك قيوده وينطلق نحو تحقيق مستقبله .
التعليقات