جهاد الخازن

لا جديد تحت شمس الكويت. استجوابات برلمانية بالجملة للحكومة من رئيس الوزراء الى وزرائه. هذا ما وجدت في الكويت قبل أيام، وهو ما وجدت قبل سنة وسنتين.

أعتقد أن الاسم الأقرب الى واقع الحال هو مباحث أمن الدولة بدل مجلس الأمة، فهذا الإدمان على الاستجواب لا يمارسه عادة غير ضابط أمن أمامه شاب اعتقل وهو يشارك في ثورة الغضب في هذا البلد العربي أو ذاك.

قرأت في الصحف العربية اللغة في الكويت عناوين من نوع: الكتل البرلمانية تتفق على جدولة الاستجوابات، وطابور الاستجوابات، الفهد يقدم اليوم والمحمد مطلع أبريل والساير في مايو، ثم قرأت عن 50 ديناراً للمواطنين في مانشيت الصحف في اليوم التالي، وهكذا في اليوم الثالث، وأنا أزور الكويت للمشاركة في الدورة الرابعة لمهرجان ربيع الشعر الذي نظمته مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري.

بحثت عن الأخبار العربية، عن الغارات الغربية على مواقع القذافي في ليبيا، وعن ارفضاض نصف المؤسستين السياسية والعسكرية عن الرئيس علي عبدالله صالح في اليمن، ووجدت نزراً قليلاً في الصفحات غير أن الجريدتين laquo;عرب تايمزraquo; و laquo;كويت تايمزraquo; قدمتا لي بالإنكليزية الأخبار العربية التي تجاوزتها الصحف العربية اللغة، فكانت المانشيتات بالإنكليزية عن ليبيا واليمن، أو البحرين، مقابل الاستجوابات في القبس والوطن والخليج والأنباء والسياسة والجريدة.

ووجدت الشيخ ناصر المحمد الأحمد الصباح، رئيس الوزراء، أقل ضيقاً بالاستجوابات مني، أو أقل قلقاً، وهو قال لي في جلسة غداء ضمت عدداً كبيراً من الأصدقاء إن الكويت بلد ديموقراطي وهو يعمل بنص الدستور وروحه، ومن حق كل نائب أن يستجوب أعضاء الحكومة.

بدا أن الشيخ ناصر يتعامل مع الاستجوابات كجزء من عمله اليومي، وتذكرت وأنا أستمع إليه قصة قارئة البخت التي توقعت لزبون جاءها خمس سنوات عجاف صِعاب ملأى بالمشاكل. وخاف الزبون وسألها: وبعدين؟ وردت: تتعود.

رئيس الوزراء laquo;تعودraquo; على الاستجوابات التي يراها الزائر مثلي متعبة مربكة وعثرة في طريق العمل المنتج، وشعوري هو أن أعضاء البرلمان سيجدون سبباً آخر للنكد إذا عدل الدستور بما يسحب منهم حقهم في استجواب أعضاء الحكومة.

كنت في الكويت وقد عاد إليها الفريق الطبي الذي رفضت البحرين دخوله لاتهام بعض أعضائه بالتعامل مع إيران أو حزب الله. ووجدت أن هناك جدلاً سياسياً غير الاستجوابات، فالنواب السنّة قالوا إن حكومة الكويت التي أرسلت وحدات بحرية الى البحرين لم تساعد الجارة في مجلس التعاون بما يكفي، ووجدت أن النواب الشيعة قالوا إن الحكومة بالغت في مساعدة البحرين، وهم كانوا ضد أي مساعدة أصلاً.

الشيخ ناصر أكد لي أن الوضع في الكويت مستقر، والجبهة الداخلية قوية متماسكة.

وقلت في نفسي إن رئيس الوزراء يعرف أكثر مني ثم فوجئت برئيس مجلس الأمة السيد جاسم الخرافي وهو يُسأل بعد افتتاحه المهرجان الرابع لربيع الشعر عن هجوم عدد من النواب على وقف عبدالعزيز البابطين. وهو أبدى الأسف أن يتحول جهد الأخ البابطين الى مجال للنقد، وقال إن رأيه هو أن الوقف لعمل الخير وليس لمصالح شخصية أو تجارية.

لا أعرف كيف وجد النواب سبيلاً لانتقاد وقف هدفه استمرار مؤسسة البابطين لأجيال قادمة. وكان أخونا أبو سعود أراني قبل سنتين بناية عالية يوشك العمل فيها على الانتهاء، وقال إنها ستكون وقفاً يُنفق دخله على نشاط المؤسسة. وأذكر جيداً أنه قال لي إنه يضمن أن تستمر المؤسسة مع سعود، ابنه البكر، وأخوانه، ولكن من يضمن له أبناءهم وأبناء الأبناء.

وجدت الفكرة منطقية من رجل عنده القدرة على التنفيذ، وهو شاعر يحب الشعر والشعراء، ويحاول تشجيع المواهب الشابة ورعايتها. غير أن للنواب الكويتيين منطقاً غير منطقي ومنطق الناس العاديين.

انتقدت السياسة الداخلية الكويتية ووقعت فيها، فأعود الى مهرجان الشعر الذي افتتح بحضور جورج سامبايو، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، وهو رئيس سابق للبرتغال، ورئيس برلمان مالطا مايكل فريندو، واختتم وعلى المنصة سفير البوسنة السابق في الكويت أدهم باستيس بين اثنين من الرهبان الفرنسيسكان في البوسنة أحدهما رئيس أساقفة والآخر رئيس مكتبة كبرى تضم مئات المخطوطات، بما فيها مخطوطات عربية نادرة بعضها للقرآن الكريم. وأكمل بالشعر غداً.