عدنان حسين


أفضل خدمة يمكن أن يؤديها إلى الشعب الليبي التحالف الدولي الذي يتولى الآن تطبيق قرار مجلس الأمن 1973 الخاص بليبيا، أن يترك مهمة إسقاط نظام العقيد القذافي إلى الليبيين أنفسهم وألّا يتولاها نيابة عنهم حتى لا يتكرر في ليبيا السيناريو العراقي المشؤوم.

قدّم المجتمع الدولي للشعب الليبي خدمة كبرى لا تُقدّر بثمن دعماً لانتفاضته من أجل الخلاص من نظام القذافي، فهو أقرّ بأن هذا النظام خارج عن شرعية الأمم المتحدة ومنتهك لحقوق الإنسان ومرتكب جرائم ضد الإنسانية في حق شعبه، وبأن الشعب الليبي يستحق نظاما بديلاً عن هذا النظام الدكتاتوري الشمولي، لا بدّ أن يكون نقيضاً. وعلى هذا الأساس فرضت الأمم المتحدة عقوبات شديدة على نظام القذافي وصادقت على عملية عسكرية من شأنها ردع القذافي عن إبادة المدنيين.. وبهذا يكون المجتمع الدولي قد نزع أسنان القذافي وقلّم أظافره، فلم يعد العقيد الليبي يمثّل خطراً ماحقاً على شعبه كما كان. وبعد هذا فان في وسع الليبيين الذين انتفضوا في وجه القذافي أن يواصلوا ثورتهم، بالوسائل السلمية إن أمكن أو بالوسائل المسلحة إذا ما تطلب الأمر، كي يحققوا بأنفسهم هدفهم بإسقاط نظام القذافي.
يستطيع التحالف الدولي من جهته الاستمرار في ضمان تطبيق الحظر الجوي والعقوبات الاقتصادية والمالية والسياسية المفروضة على نظام القذافي، وتأمين الحؤول دون تمكّن القذافي من استهداف المدنيين في حربه، وحتى تقديم المساعدات اللوجستية للثوار الليبيين، بما يؤول إلى إقناع القذافي بعدم جدوى مقاومته وبالتوصل إلى تفاهم مع الثوار على حل سلمي للأزمة، أو مواجهة قوات الثوار لإسقاطه بقوتهم التي أصبحت لا يستهان بها.
الهدف من هذا أن يتمكن الثوار الليبيون من أن ينجزوا بأنفسهم مهمة إسقاط نظام القذافي وإقامة النظام البديل الذي يفترض ان يكون ديمقراطيا، فهذه رغبة أغلبية الشعب الليبي، وهذا هو الشعار الرئيس الذي حرّك المنتفضين ضد القذافي في مختلف المدن الليبية.
ثمة خشية، إذا ما تولى التحالف الدولي إسقاط نظام القذافي، من أن يتكرر السيناريو الذي طُبِّق في العراق بعد إسقاط نظام صدام في العام 2003، وهو سيناريو دفع فيه الشعب العراقي ثمناً باهظاً... ولم يكتمل بعد.
وما حدث في العراق أن التحالف الذي قادته الولايات المتحدة أنشأ عملية سياسية مشوّهة وأقام نظاماً هجيناً ربعه ديمقراطي وثلاثة أرباعه ديكتاتوري. فقد أفضت تلك العملية إلى تسليم السلطة في البلاد إلى خليط من قوى وجماعات كانت الغلبة فيه للطائفيين والنصّابين والسرّاق، بل حتى لصدّاميين أُخرجوا من الباب وأُعيدوا من شبابيك الطائفية والقومية والفساد. وقد استغلت هذه القوى والجماعات كل الوسائط الديمقراطية (الانتخابات والبرلمان) لفرض نظام المحاصصة الطائفية والقومية بدلاً عن النظام الديمقراطي.
ومن الواضح الآن أن قوى إسلامية متطرفة تحاول تصدّر المشهد السياسي في ليبيا وقيادته تحضيراً لمرحلة ما بعد القذافي. واستناداً إلى تجارب سابقة، بينها التجربة العراقية، فان هذه القوى لا تبغي إقامة النظام الديمقراطي الذي ثار الليبيون من أجل تحقيقه باعتباره البديل المنطقي لنظام القذافي. ولهذا فان من مصلحة الشعب الليبي أن تُترك له مهمة إنهاء نظام القذافي لا أن تجري بالنيابة عنه لتُقدّم السلطة في طرابلس على طبق من ذهب إلى القوى غير الديمقراطية، كما حدث في عراق ما بعد صدام.