الياس حرفوش

من المستغرب أن يكون الكثيرون الذين انتظروا خطاب الرئيس السوري امس قد فوجئوا بمضمونه، وخصوصاً لجهة عدم تطرّق الرئيس الأسد إلى قرارات إصلاحية محددة، أو لجهة إلقائه مسؤولية الأحداث الأخيرة في بعض المدن السورية على ما اعتبره laquo;مشروع فتنةraquo; يهدف إلى ضرب الاستقرار في سورية.

لم يكن هناك داعٍ لهذا الاستغراب. فالأسد كان صريحاً، منذ بدأت موجة الاحتجاجات الأخيرة في العالم العربي، قبل ثلاثة اشهر، عندما ميّز بين نوعين من الأنظمة، احدهما ملتصق بشعبه من خلال تبنيه نهج laquo;الممانعةraquo;، وبالتالي فهو حصين ضد الاحتجاجات، والآخر غير ذلك. وفي ظل رؤية كهذه كان طبيعياً أن يستنتج نظام laquo;الممانعةraquo; أن الاحتجاجات التي تقوم في مدنه هي جزء من المؤامرة الخارجية التي تستهدف سياسة البلد وموقعه الداعم لحركات المقاومة، وليست مجرد احتجاجات تطالب بتلبية حاجات شعبية، ولا بد بالتالي من التجاوب معها. من هنا جاء اتهام الرئيس السوري لـ laquo;المتآمرينraquo; بأنهم قاموا بـ laquo;اختيار خاطئ للوطن والشعب حيث لا ينجح هذا النوع من المؤامراتraquo;.

هكذا وضع الرئيس الأسد الاحتجاجات التي انطلقت من درعا في سياق الحملة التي تعرضت لها سورية منذ غزو العراق، والتي قال انه استطاع الوقوف في وجهها وإفشالها، لكنها عادت اليوم تهدد بلاده بأسلوب مختلف، مستغلة المناخ الشعبي السائد في المنطقة العربية.

وعندما يصير النظام هو الوطن، بحسب رؤية الأنظمة التوتاليتارية، تتحول الدعوات إلى إصلاح النظام إلى مشاركة في laquo;المؤامرةraquo; على الوطن، ويكون صعباً الإقدام على خطوات تلبي المطالب الشعبية. فمجرد التشكيك في نوايا المطالبين بالإصلاحات، ووضعهم في خانة من يخدمون laquo;المؤامرات المتصلة على هذا الوطنraquo;، يقطع الطريق حكماً على المطالب الإصلاحية، مستخدماً لتبرير التأجيل الحجة القديمة، وهي أن المطلوب هو السرعة لا التسرع، لأن laquo;التسرع في الإصلاح سيكون على حساب النوعيةraquo;.

لا شك في أن الرئيس السوري ينظر إلى ما يجري من حوله في المنطقة العربية وإلى طريقة معالجة الاحتجاجات القائمة في عدد من دولها. ومن الطبيعي أن تكون عينه على الدور الذي تلعبه القوى الغربية في ما يجري في ليبيا خصوصاً في وجه نظام القذافي الدموي، وكذلك موقف هذه الدول من الوضع في اليمن، ومطالبتها الرئيس علي عبدالله صالح بحقن الدماء والتنحي السلمي عن الحكم.

وسواء كان ما يجري في بلدان كهذه جزءاً من مشروع غربي، يهدف إلى توفير غطاء للتحولات باتجاه الديموقراطية في المنطقة، بشكل سلمي نسبياً في بعض الأماكن، كما حصل في تونس ومصر، أو بالقوة في أماكن أخرى، كما الحال في ليبيا، وحتى لو قيل إن هذه التحولات باتجاه الديموقراطية تخدم المصالح الغربية وتلتقي مع أهدافها، فإن الأكيد أن تلبية المطالب الداخلية هي التي تقطع الطريق على أي مشروع غربي في المنطقة، بعدما ظهر أن الاحتجاجات الشعبية أمر لا مفر من التعامل معه، وبعدما تجرأت الشعوب العربية على الخوف، وباتت ترى أن حق شعب ما بالحرية في وجه نظام قمعي، لا يقلّ عن حق أي شعب آخر.

بين نصيحة الصديق التركي بـ laquo;تطبيق سريع وحقيقي للإصلاحات على الأرض من دون تأخيرraquo;، ونهج إيران في التعامل مع الاحتجاجات التي أشعلت شوارعها ضد تزوير الانتخابات الرئاسية في صيف العام 2009، يُخشى أن تكون القيادة السورية اختارت النهج الثاني. ذلك أن مواجهة laquo;المؤامرة الخارجيةraquo; التي قال النظام الإيراني إنها كانت محدقة به آنذاك، هي الأسلوب الذي يتحدث عنه النظام السوري اليوم في وجه laquo;المؤامرةraquo; نفسها. وقد يكون الشعور أيضاً أن ما laquo;نجحraquo; هناك وانتهى بالمعارضين إلى ما انتهوا إليه يمكن أن ينجح هنا أيضاً!