محمد فهد القحطاني

من المخزي أن يأتي الاعتراض على ما يحدث في سوريا من قتل لأفراد الشعب وبدم بارد برصاص قوات الأمن الحكومية من قبل الدول الغربية؛ وجامعة الدول العربية صامتة صمت القبور على ما يحدث من انتهاك لحقوق الإنسان وسفك للدماء البريئة -التي لم تطالب إلا بحقها في الحرية والكرامة والمشاركة- من قبل أقلية حزبية طائفية تدعي أنها أعلم بصالح الوطن السوري من الغالبية..
إن سقوط العشرات من الشهداء في المواجهات المستمرة في مدينة درعا جنوب سوريا وفي اللاذقية بين المواطنين السوريين وبين قوات النظام دليل قوي على أن هذا النظام لا يتقن من أساليب احتواء الأزمة إلا المواجهة، ولا يفقه من مراحل إدارة الأزمة إلا مرحلة سفك الدماء.. ومن المعيب أن تدعي مستشارة الرئيس السوري السيدة بثينة شعبان.. أن ما يحدث هناك هو مشروع فتنة طائفية لا علاقة له بالتظاهر السلمي والمطالب المحقة والمشروعة للشعب السوري، وفي الوقت نفسه تؤكد أن هناك قصورا في إدارة الأزمة من قبل الإدارات الحكومية.. وذلك أن هذه التهمة أصبحت مستهلكة ولا تنطلي حتى على أصحاب الغفلة والهذيان، فالكل يعرف طبيعة النظام الشمولي الأمني في سوريا، ويعلم ما يعانيه الشعب السوري من تقييد للحريات العامة ولجم لحرية الصحافة وحق التعبير، والإقصاء المتعمد للغالبية العظمى من أبناء الشعب عن المشاركة الجادة والحقيقية في إدارة الوطن.. وهذا الأمر ليس وليد الساعة، وإنما هو أمر مستمر لأربعة عقود وأكثر، لدرجة أن قانون الطوارئ في سوريا أطول عمرا من مثيله في مصر.. والعجيب في تصريح مستشارة الرئيس السوري أن آخر كلامها يناقض أوله لأنها تعترف فيه وبشكل واضح لا لبس فيه بتقصير الإدارات الحكومية.. فلماذا إذن تعتب على الشعب إذا ما قام وطالب بحقه في معالجة هذا التقصير، ولماذا ترمي الغالبية العظمى بتهمة الفتنة الطائفية، مع أن السلطة أحق الناس بهذا الاتهام لأنها سلطة لا تمثل إلا أقلية طائفية حكمت البلاد والعباد لمدة 40 سنة بالحديد والنار.. كل المراقبين للأوضاع في سوريا كانوا يتوقعون أن تبدأ مسيرة الثورات العربية من هناك، وليس من تونس لأن الكل مجمع على قسوة القبضة الأمنية البوليسية هناك على رقاب الشعب السوري.. وحتى الآمال التي استبشر بتحققها الشعب السوري مع قدوم الرئيس الشاب بشار الأسد ذهبت أدراج الرياح بسبب تعنت مراكز القوى المحيطة به، وخوفها من نتائج التغيير الموعود على دورها في رسم سياسات الوطن المستقبلية وفقدانها لما تتمتع به من امتيازات وحقوق وسلطات لا تصل للأسف ليد رجل الشارع البسيط.. إن الأزمة هناك تحتاج لتدخل حكيم وسريع من رأس الهرم السياسي نفسه حتى لا تتفاقم الأوضاع ويفقد النظام السيطرة عليها.. ويجب أن لا يترك ملف الإصلاح بأيدي زوار الفجر وثقافة العصا الغليظة لأن من حق الشعب الشعور بأن مكاسب الوطن ومقدراته وموارده ثروة مستحقة للجميع وليست ملكية خاصة لتيار سياسي معين أو طائفة محددة تستفرد بالغنيمة وتترك الحرمان للآخرين.. ومن حق الشعب السوري أن يعيش العصر ويتمتع بالحقوق والحريات الأساسية التي أصبحت من ضروريات الزمن ومن الأمور التي اتفقت على احترامها كل الدول المتحضرة، وأصبحت على رأس الأولويات في كل أجندة سياسية.. فحتى متى يعيش المواطن السوري وراء جدار حديدي يحرمه حتى من كلمة (لا) في وجه من يريد حرمانه من أبسط مقومات العيش الكريم.. نحن نعتقد أن زمن احتكار السلطة في سوريا من قبل تيار سياسي معين أمر تجاوزه الزمن ويتناقض مع حق المواطن في اختيار من يمثله، وحان الوقت لانتهاء وصاية حزب البعث العربي على فسيفساء الشعب السوري، فهو في أفضل الأحوال لا يمثل إلا نفسه وأقلية معينة، فلماذا يتسيد الصورة ويتحدث بالنيابة عن الكل؟ ونظام الحزب الواحد أثبت فشله في كذا وطن عربي، وليس عنا ببعيد ما حدث في تونس ومصر للحزب الحاكم هناك..
نتمنى على الرئيس السوري الشاب بشار الأسد استلام زمام المبادرة في التغيير بنفسه، وتحقيق مطالب الشعب السوري في رفع سقف الحريات العامة وتوفير سبل العيش الكريم والمشاركة الحقيقية في صنع مستقبل وطنهم.. وذلك بالسرعة الممكنة حتى لا تصل الأمور إلى نهاية لا تحمد عقباها لا للشعب ولا للنظام ككل.. وما زال الأمل باقيا بصدق نوايا الرئيس بالتطوير إلى الأحسن والتغيير إلى الأفضل.. لهذا الحذر الحذر من ترك خيوط تحقق هذا الأمل بيد مراكز القوى حتى لا يتبخر الأمل وتضيع الفرصة ونردد عبارة laquo;ولات حين مناصraquo; لكل من يشتكي من وقوع الفاس في الراس.. والسلام .