محمد السعيد ادريس

إذا كانت هناك ثمة ظاهرة سياسية تستحق التأمل والتدقيق والتفكير، فهي ظاهرة اللقاءات السورية الإيرانية المكثفة والمتسارعة على مستوى الرئيسين بشار الأسد ومحمود أحمدي نجاد . فقد زار نجاد سوريا زيارة سريعة، وهو في طريقه إلى الجزائر ثم إلى نيويورك في منتصف الشهر الماضي تقريباً، وها هو الرئيس الأسد يزور طهران زيارة سريعة أيضاً بعد أقل من 19 يوماً على لقائهما السابق في دمشق، في حين أن نجاد سيزور لبنان خلال أيام .

هذه اللقاءات تقول إن شيئاً ما له أهمية فائقة يجري تدبيره والإعداد له بين القيادتين، لكن أهم ما أثير بهذا الخصوص هو ما جاء على لسان الرئيس الإيراني وهو يقلّد نظيره السوري في طهران يوم الثالث من الشهر الجاري أرفع وسام إيراني، وتأكيده توافق البلدين في جميع الملفات، وفي مقدمتها العراق وفلسطين ولبنان .

إذا اكتفينا بتصريح أو بتأكيد الرئيس نجاد وجود توافق مع سوريا في تلك الملفات الثلاثة الشائكة، فإن الأمر يبدو طبيعياً في ظل علاقات التحالف الاستراتيجي المتصاعدة بين البلدين، لكن الأمر يدخل في دائرة التعقيد إذا ربطنا بين ما أكده الرئيس الإيراني وبين ما جاء على لسان الرئيس العراقي جلال الطالباني حول ldquo;وجود توافق من دون تنسيق، بين الأمريكيين والإيرانيين والسوريين على تسلم نوري المالكي رئاسة الحكومةrdquo;، ويزداد التعقيد تعقيداً مع تعمد وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في لقائها مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك، تحذير سوريا من محاولة زعزعة استقرار جارتيها لبنان والعراق . المتحدث بلسان الخارجية الأمريكية فيليب كراولي تعمد أن يجدد التحذير الأمريكي بإعادة تجديد ما جاء على لسان وزيرته للوزير السوري، وقوله إن كلينتون ldquo;كانت مباشرة للغاية، وقالت بوضوح إن كان الأمر يتعلق بلبنان أو العراق، فإننا سنمنع أي محاولة لتقويض استقرار هذين البلدينrdquo; . واللافت أيضاً أن الأمريكيين وجهوا لسوريا هذه التحذيرات الساخنة والصريحة في وقت بدأت تعود فيه علاقات البلدين إلى دفء افتقدته على مدى سنوات مضت، وهو ما لم ينكره المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عندما أكمل تصريحه بالقول إن كلينتون أكدت للمعلم الهدف الأمريكي المتمثل بالوصول إلى ldquo;سلام شامل في الشرق الأوسطrdquo; يشمل سوريا .

السؤال المهم هنا حتماً سيتركز حول جدية تلك التوافقات بين إيران وسوريا حول الملفات الثلاثة (العراق وفلسطين ولبنان) في ظل التهديد الأمريكي لسوريا حول هذه الملفات، وكيف يمكن التحدث عن توافق ثلاثي إيراني أمريكي سوري حول العراق في ظل تهديدات أمريكا لسوريا بشأن العراق؟

هذا السؤال ربما تكون إجابته السريعة هي أن هناك نوعين من التوافقات: توافق مصالح أمريكية إيرانية في العراق فرضت القبول بنوري المالكي رئيساً للحكومة، وتوافق مصالح أيضاً إيرانية سورية فرضت كذلك تراجع سوريا عن تشددها في رفض المالكي وعن التزامها بدعم إياد علاوي، ومن ثم أصبح هناك توافق ثلاثي أمريكي إيراني سوري غير مباشر حول المالكي، أي توافق اضطراري على غرار ذلك القبول الاضطراري الذي فرض على مقتدى الصدر أن يتراجع عن كل ثوابته، وعن كل عداءاته وجروحه التي لم تندمل بعد هو وتياره مع المالكي منذ معركة ldquo;صولة الفرسانrdquo; التي خاضتها قوات المالكي ضد ميليشيات ldquo;جيش المهديrdquo; .

هذه الإجابة السريعة لا تكفي لحل التناقضات المتجذرة بين أطراف هذه التوافقات، خاصة بين كل من إيران وسوريا مع الولايات المتحدة بشأن الملفين اللبناني والفلسطيني، وإن كانت قادرة على كشف حوافز لسوريا وإيران للتغاضي عن بعض الخلافات غير الاستراتيجية للحفاظ على مصالح استراتيجية، وبالذات ما يتعلق بالخلاف السوري مع المالكي وتفضيل سوريا وأطراف عربية أخرى خاصة السعودية ومصر لشخص علاوي كمرشح لرئاسة الحكومة العراقية .

يبدو أن ما يحدث في لبنان الآن وما هو مرشح أن يحدث والذي أخذ يهدد التوافق السوري السعودي حول لبنان، بقدر ما يهدد التقارب بين الرئاسة السورية ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بعد إصدار سوريا مذكرة توقيف بحق 33 شخصاً معظمهم من فريق الحريري، فرض المزيد من التقارب السوري الإيراني حول لبنان، وأن احتدام الأزمة حول المحكمة الدولية والقرار المتوقع أن يصدر عنها باتهام عناصر من حزب الله بارتكاب جريمة اغتيال رفيق الحريري، والانقسام اللبناني حول زيارة الرئيس الإيراني لبيروت دعم من قناعات البلدين لمزيد من التقارب في المواقف أو لما هو أقوى وأصلب من التقارب، وإن هذا كله صب في مصلحة توافق سوري إيراني حول شخص المالكي .

هذا التوافق كان له أيضاً ما يدعمه من وجهات نظر ورؤى إيرانية ترى في علاوي رأس حربة المشروع الأمريكي في العراق، وأنه من سيأخذ بالعراق في حال ترؤسه الحكومة الجديدة، إلى ldquo;محور الاعتدالrdquo;، ويكسر بذلك ما تسعى إيران وسوريا إلى تأسيسه من قوس تحالف استراتيجي داعم لتيار المقاومة للنفوذ الأمريكي ldquo;الإسرائيليrdquo; يمتد من إيران إلى تركيا عبر كل من العراق وسوريا .

إذا كانت سوريا قد اقتنعت بهذه الرؤية، فإن الغموض سيظل باقياً مع بقاء علامات الاستفهام قوية حول دور المالكي في المشروع الأمريكي وأسباب الدعم الأمريكي لترشيحه رئيساً للحكومة على حساب علاوي المقرب من حلفاء واشنطن في المنطقة؟

غموض لن تنكشف معالمه بعيداً عن التعقيدات الداخلية العراقية وما يمكن أن يسفر عنه صراع الكتل الداخلية من إعادة هيكلة لتوازنات القوى قد تتوافق وقد تتعارض مع تفاهمات الأطراف الخارجية .