إياد الدليمي


فجأة ومن دون مقدمات أو سابق إنذار، طار رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته نوري المالكي إلى سوريا والتقى هناك بالرئيس بشار الأسد ورئيس الوزراء ناجي عطري ووقّع عددا من الاتفاقات الاقتصادية، وسبق ذلك عودة السفراء بين البلدين وكأن شيئاً لم يكن بين البلدين، ونسى المالكي أو تناسى هجماته المتكررة على سوريا.
المالكي لم يكتف بذلك، بل تذكر وهو في حاضرة الأمويين دمشق، أن العراق وسوريا لا يمكن أن يستغني بعضهما عن البعض الآخر، كما أنه تذكر هناك أن عشرات الاتفاقات الاقتصادية الهامة يمكن أن توقع مع سوريا، ولم ينس أيضا أن يغمز قناة المعارضة العراقية الموجودة في سوريا، داعيا إياهم إلى العودة والمشاركة في بناء العراق.
ومعلوم أن دمشق تحتضن معارضة عراقية متعددة الأطياف إلا أن أبرزها المعارضة البعثية التي يحظر دستور السيد المالكي فكرها في العراق وأي نشاط يمت إلى هذا الحزب بصلة.
طبعا ليس مستغربا أن يهرول السيد المالكي وحاشيته إلى دمشق ويبدؤون في كيل المديح لسوريا ونظامها، بل يوقعون عددا كبيرا من الاتفاقات الاقتصادية التي كانت حكومة بغداد ترفض الحديث عنها أو الإشارة إليها في محاولة منها لمعاقبة النظام السوري من خلال تلك الاتفاقات. فالسيد المالكي وجد نفسه في الوقت بدل الضائع من عمر حكومته العتيدة، بحاجة إلى سوريا ودعمها له في حربه ضد الآخرين من أجل تجديد ولايته.
لقد كان من أبرز أخطاء مرحلة ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق محاولة سلخ العراق من محيطه العربي أولا، ومن جارته سوريا ثانيا، بل إن البعض -كالسيد المالكي- تمادى في حربه ضد دمشق إلى حد أنه قرر رفع دعوى قضائية ضد دمشق والمطالبة بمحكمة دولية على غرار محكمة الرئيس رفيق الحريري في لبنان، بتهمة أن سوريا هي من تُؤوي وتمول وتدعم نشاطات الجماعات العراقية المعارضة والمتهمة من قبل حكومة السيد المالكي بالوقوف وراء عمليات التفجير.
في أغسطس من العام الماضي 2009، يوم أن شهد العراق عودة مرعبة للتفجيرات بواسطة السيارات المفخخة، ويوم أن هوجمت أغلب وزارات الحكومة في بغداد، وبعد أن توالت الأيام الدموية على العراقيين، لم يجد السيد المالكي وحكومته والناطقون باسمه واسمها من عدو يعلقون عليه فشل سياساتهم الأمنية والسياسية والاقتصادية والخدمية، سوى سوريا.
اتهم السيد المالكي سوريا جهارا نهارا بأنها وراء هذه العمليات، طبعا لم يجرؤ على القول إن نظام دمشق يقف وراء تلك العمليات، وإنما قال: إن دمشق تؤوي وتمول المعارضة العراقية وعلى رأسها حزب البعث، وإنها تتغاضى أيضا عن أنشطتهم ضد حكومته، وطالب سوريا آنذاك بتسليم المعارضين العراقيين، ولم يكتف بذلك بل راح يطالب بضرورة أن يضع المجتمع الدولي حدا لما أسماه بـquot;التدخل السوريquot; علما أن التصريحات العسكرية للجيش الأميركي آنذاك كانت تشير إلى انخفاض عمليات تدفق المقاتلين العرب إلى العراق عبر سوريا إلى أقل من %2، بعد أن نجحت عناصر الصحوة التي استحدثتها القوات الأميركية في إغلاق أغلب المنافذ التي كان يمر منها أولئك المقاتلون.
كان السيد المالكي عنيفا وحادا في هجومه على سوريا فهو -كما كان يصرح- لا يتهاون في أمر الدم العراقي الذي يسفك من قبل البعثيين ومجرمي القاعدة المدعومين من قبل سوريا، إلا أنه نسي على ما يبدو في غمرة هرولته إلى كرسي السلطة كل ذلك، وصار ممكنا أن يتهاون مع الدم العراقي الذي يسفك بدعم النظام السوري كما يقول، إذا كان ذلك يمكن أن يعود عليه بفترة حكم جديدة.
نقول دائما متأسفين: إن الذاكرة مخرومة وضعيفة، فهي تنسى بسرعة ولا تتذكر، تنسى تصريحات السيد المالكي وحاشيته عن سوريا، ولا تتذكر سوى طيرانه المفاجئ إلى دمشق لعقد الاتفاقات والصفقات طمعا في دعم سوريا له.
تلك هي حقيقة الطبقة الحاكمة في العراق، طبقة لا تعبأ بشيء أكثر من انشغالها بمصالحها، فلو كان السيد المالكي محقا في اتهامه لسوريا، ولو كان فعلا حريص على دماء العراقيين، فكيف له أن يذهب إلى سوريا في هذا الوقت الحرج من عمر حكومته التي انتهى عمرها الافتراضي ليوقع الصفقات والاتفاقات؟!
إنه الكرسي اللعين، الذي صار معشوقا للسيد المالكي إلى حد نسي معه كل تلك التصريحات الرنانة مشفوعة بيده المتوعدة وهو يهاجم سوريا.