ابراهيم بيرم

كان امراً لافتاً وخارج كل الحسابات، إن من حيث التوقيت او لجهة المضمون، ان تبادر النائبة بهية الحريري الى زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة اول من أمس، إذ لم يعد سراً ان ثمة شبه قطيعة بينهما على خلفية quot;معارك وصراعاتquot; ما زالت مستمرة حول الكثير من القضايا ذات الطابع الجنوبي، سواء منها الصراع على مجلس إدارة غرفة الصناعة والتجارة في صيدا والجنوب والتي كسبها بري وحلفاؤه في صيدا، فضلاً عن الصراع الذي بقي معلقاً حول مسألة رئاسة اتحاد بلديات صيدا والزهراني، وما سبق ذلك من تباين في الرؤى حول موضوع مجلس بلدية صيدا وإصرار فريق الحريري على رفض وساطة بري في هذه المسألة.
وليس جديداً الاشارة ايضا الى ان زيارة النائبة الحريري للرئيس بري، يأتي في مرحلة قطع فيها الرئيس سعد الحريري كل خيوط العلاقة مع بري وبادر الى مهاجمته والى القيام بخطوات عملانية ترفع من منسوب الاستياء لدى سيد مجلس النواب بلا انقطاع منذ عام 1992، وفي مقدمها ابراز النائب السابق محمد عبد الحميد بيضون في مهرجان quot;البيالquot; في 14 شباط الماضي وهي خطوة تنطوي على أبعاد عدة، ابرزها ان الحريري راغب في المضي الى ابعد الحدود في مواجهته مع رئيس حركة quot;أملquot;، بعدما كان في السابق يحرص على تمييزه في اطار معاركه المستمرة والمتصاعدة مع quot;حزب اللهquot; واستطراداً مع الشيعية السياسية.
بعض المطلعين على خفايا لقاء بهية ndash; بري يرون ان الاولى حضرت فجأة الى عين التينة وسط دهشة بري والحضور في محاولة منها لوضع حد او ايجاد حلول لقضية جنوبية حساسة من شأن عدم استدراكها افتعال quot;مواجهاتquot; ذات طابع مذهبي، وهي قضية تتصل بالسباق الحاصل للبناء على مشاعات تخص قرية في جنوب منطقة الزهراني بين شريحة سنية من قرية حدودية وبين مجموعات شيعية تقطن في المنطقة عينها، وقد استدعت تدخلاً هادئاً من الجيش وقوى الامن الداخلي، بغية الحيلولة دون تطورها الى ما لا تحمد عقباه. وعلى رغم اهمية الموضوع وبلاغة خطوة quot;الست بهيةquot; كما يطلق عليها في صيدا، الا ان ثمة مراقبين يحرصون على اخذها الى أبعد من جانبها الآني الملحّ، انطلاقاً من مستجدات سياسية فرضت نفسها في الايام القليلة الماضية، لا سيما بعد تأخر ولادة الحكومة العتيدة، وسريان معلومات تزعم ان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي له شروطه الصعبة للقيام بالمهمة التي قَبِلَ القيام بها. ويربط اصحاب هذه الرؤية بين حدث زيارة عين التينة أول من أمس وحدث زيارة النائبة الحريري في 16 آذار الماضي الى المختارة، ومع ان المقصد المعلن لتلك الزيارة كان المشاركة في مراسم ذكرى اغتيال الزعيم كمال جنبلاط، الا ان ثمة في الوسط السياسي المحيط بجو الرئيس سعد الحريري، من تحدث عن ان الامر يتعدى الذكرى على جلالتها، ليبلغ حدود رسالة سياسية معينة تشمل أكثر من جهة وربما تشي بفتح الباب امام انعطافة ما.
وبحسب المنتمين الى الوسط نفسه، فان هناك من دخل مع الرئيس الحريري في الآونة الاخيرة في نقاش معين قُلِّبت خلاله الامور على كل اوجهها، حول quot;العائدات السلبيةquot; لهذه القطيعة التي يرسخها يوماً بعد يوم مع رئيس quot;جبهة النضال الوطنيquot; النائب وليد جنبلاط. وقد سئل الحريري لماذا يفرط في ايجاد مناخات العداوة مع جنبلاط؟ وقد كان ذلك وراء مغادرته مرحلة quot;الوسطيةquot; التي اختارها لنفسه وانحيازه الكلي الى فريق 8 آذار الى درجة انه بات رأس حربة لهذه الفريق يعاود اداء الدور نفسه ابان كان مع فريق 14 آذار. وبناء على تلك quot;المفاتشةquot; والقراءة المعمقة، سجلت الاوساط السياسية المتابعة سلسلة خطوات تنطوي على اشارات ايجابية من الحريري وفريقه حيال جنبلاط، ابرزها:
- خلو لائحة خطباء مهرجان 13 آذار من خطيب من شأنه ان يشكل عامل إزعاج أو استياء لزعيم المختارة.
- خلو خطابات وتصريحات الحريري والرموز المحسوبة عليه من اي انتقادات معلنة أو مبطنة لجنبلاط.
- بروز معلومات تؤكد أن الحريري ألغى زيارة كان يعتزم القيام بها الى منطقة اقليم الخروب على غرار زيارته الاخيرة لطرابلس.
- ظهور معلومات عن اتصال هاتفي جرى بين جنبلاط والرئيس الحريري.
وبناء على كل هذه المعطيات والوقائع، فان ثمة من ينطلق منها ليضع زيارة النائبة الحريري للرئيس بري في إطار quot;رسالةquot; تنضح بالاشارات الايجابية، ولو متأخرة، حيال بري استناداً الى امرين اثنين:
الاول، أن حملة quot;الحريرية السياسيةquot; على الرئيس بري بلغت ذروتها في الآونة الاخيرة وتجاوزت كل الخطوط الحمر وأنذرت بأزمة كبرى، لا سيما بعدما لوح بعض quot;الحريريينquot; لبري بفتح ملفات الماضي البعيد، فرد رئيس quot;أملquot; بالإشارة الى انه كان له شريك آخر في هذه الملفات.
الثاني: ان ثمة خصوصية تاريخية في العلاقة بين بري والنائبة الحريري. فلم يعد سراً أن ظاهرة النائبة الحريري ظهرت ونمت اصلا في ظل عباءة زعامة بري أيام كانت عباءة وارفة الظل.
فضلا عن ذلك ورغم حالة الانفصال والقطيعة، فإن ثمة ملفات بين الطرفين ما زالت عالقة وتحتاج الى فتح الابواب الموصدة بإحكام. وبصرف النظر عن هاتين الواقعتين، فإن ثمة من يصر على البحث والتفتيش عن أبعاد أخرى، خصوصا ان الرئيس الحريري بدا بعد مهرجان 13 آذار ومكوثه بعض الوقت في طرابلس، ومن ثم جولته الاخيرة التي تكشفت عنها بعض المعلومات وخفيت معلومات اخرى، وكأنه يفكر في الولوج في مرحلة أخرى مختلفة، ربما كان أحد ابوابها الخفية أو الخلفية، زيارة النائبة الحريري الى عين التينة، وخصوصا انها كانت أطلقت قبل أقل من 24 ساعة من هذه الزيارة موقفاً لافتاً من خلال تأكيد رفضها المطلق النيل من سوريا. وسواء كان هذا العرض تحليلا متعجلا أو كان ينطوي على حقائق سيكشفها قابل الايام، فالثابت أن الرئيس بري نفسه، وبحسب بعض المحيطين به، quot;فوجئquot; بزيارة النائبة الحريري في يوم الاربعاء النيابي الذي صار في الآونة الاخيرة لقاء مقتصراً على نواب قوى 8 آذار وquot;جبهة النضال الوطنيquot; وquot;التيار الوطني الحرquot;، يتوقف عند أبعاد هذه الزيارة إن لجهة التوقيت أو المضمون، وهل هي زيارة تريد صاحبتها أن تعيد وصل ما انقطع معه هو بالذات لحساب قضايا جنوبية، أو أنها جزء من quot;اعادة نظرquot; في الفريق السياسي الذي تنتمي اليه النائبة الحريري تنطوي على إشارات فحواها أن هذا الفريق بدأ يتكيف مع مرحلة ما بعد اخراج الرئيس الحريري من رئاسة السلطة الاجرائية، خصوصا ان خطوات الاعتراض على مشهد ما بعد الاخراج قد استنفدت اغراضها وبالتالي بدت بلا نتيجة. وفي كل الأحوال هي أسئلة لها مشروعية في أن تراود ذهن الرئيس بري وأذهان كثيرين في فريقه السياسي أو من المحايدين، خصوصاً بعد كل التطورات والتحولات الاخيرة في الداخل أو في الاقليم.
ومما لا شك فيه وحتى اللحظة الاخيرة أن بري يعتبر نفسه أنه بذل دوماً اقصى الجهود للحفاظ على قنوات العلاقة وخطوط التواصل، مهما كانت واهية، مع quot;الحريرية السياسيةquot; انطلاقاً من جملة اعتبارات وحسابات، أبرزها انه ان يجد في هذا التلاقي quot;حصانةquot; ضرورية لإدارة ملف العلاقات السنية ndash; الشيعية في لبنان والعالم العربي، فضلا عن الرغبة غير المخفية لديه، في أن تكون هذه العلاقة مفتاحاً لإدارة الوضع في لبنان وضبط التناقضات. وعليه، بقي بري حتى يوم مهرجان quot;البيالquot; يأمل في أن يحافظ الطرف الآخر على quot;شعرة معاويةquot; في العلاقة، ولم يكن يتصور أنه سيأتي يوم يعلن فيه الحريري قطع هذه العلاقة والمبادرة في موازاة ذلك الى فتح أبواب المعركة عليه على النحو الذي جرت فيه الأمور.
ومهما يكن من أمر، فإن ثمة، ولا ريب، من يسأل الآن هل هناك مَن نَصَحَ quot;الحريرية السياسيةquot; في لبنان، بوقف حربها quot;الخاسرةquot; على الطرف الآخر وإعادة البحث عن سبل لترميم جسور العلاقة المهدمة؟quot;.