احمد الملا
عندما انتصرت الثورة الشعبية الإيرانية بدأت تصدر ثورتها بتأسيس أحزاب في الخارج تتبعها في نظامها وتعمل على تحقيق أهدافها، وذلك بقصد التغلغل في العالم، وزرع أتباعها في كل مكان؛ لكي تستخدمهم وقت حاجتها لهم، وهم بدورهم يقومون بتنفيذ مخططاتها، وتم التوجيه إلى هادي المدرسي بتكوين الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين. لكن ممن سوف تحرر البحرين؟ أصدرت الجبهة الإسلامية بياناً إبان تأسيسها تبين فيه أهدافها وكانت تهدف إلى تحرير البحرين من حكم آل خليفة، وإقامة نظام موافق للنظام الثوري الخميني في إيران، وتحقيق استقلال البلد عن مجلس التعاون الخليجي، وربطها مباشرة بالجمهورية الإيرانية. اعتمدت الجبهة على إصدار مجلات تثير فيها أتباعها، وكانت تحمل عدة أسماء مثل ''الشعب الثائر'' و''الثورة الرسالة'' ونشرة ''الانتفاضة''. وكونت لها دائرة إعلامية لرفع المستوى الثقافي لدى مناصريها، برئاسة أحد أتباعها في البحرين. ومن ضمن أهداف الجبهة أيضاً رفع المستوى الاجتماعي، فأنشأت لذلك صندوقاً تحت مسمى ''الصندوق الحسيني'' وتذكر نشرة صادرة عن الصندوق الجديد أن أهداف المؤسسين هي ''بناء مجتمع إسلامي، وبث الفكر والوعي، وتعميق الروح التقدمية العلمية لدى المجتمع، وتنمية الروح الرسالية، والشعور بالمسؤولية، وعرض ثورة الإمام الحسين (ع) على العالم بأهدافها ومنطلقاتها كقضية حق ونضال للعيش في حياة حرة كريمة''. ولما لم يجد الصندوق الموافقة الرسمية اضطروا إلى دمجه مع ''المكتبة العامة للثقافة الإسلامية'' ونظراً إلى الجهد الذي قام به الصندوق بفضل الدعم السخي وخطف الأنظار من المكتبة بدأت الغيرة تدب في أروقة المكتبة، وزاد الخلاف بينهما حتى أدى ذلك الخلاف إلى انفصال الصندوق عام 1976م وسمي بعد استقلاله بـ ''الصندوق الحسيني الاجتماعي''، واتخذ من أحد المآتم في المنامة مقراً له. من أوائل أعمال الجبهة محاولة انقلاب في ديسمبر من عام 1981 وبفضل الله تم إفشال هذه العملية، وفي منتصف الثمانينات تم عقد اجتماع لقادة الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين مع المسؤولين في المخابرات الإيرانية، وتم الاتفاق على إنشاء الجناح العسكري للجبهة. وحينها تم تجنيد ثلاثة آلاف شخص لهذا الحزب حيث يكون تدريبهم في إيران ولبنان، وزعيم هذا الحزب أحد الراحلين من جمعية سياسية شهيرة ثم جاء من بعده خليفته. ومن ذلك الوقت بدأ التخطيط والعمل لترتيب الفتن والثورات للسيطرة على بعض المرافق المهمة. ولكن لماذا تأسس هذا الجناح؟ إذا رجعنا إلى الهدف الأول من أهداف الجبهة الإسلامية نجده يقول: إسقاط حكم آل خليفة. إذاً أول أهدافهم هو الانقلاب على النظام الحاكم، بغية إحلال نظام موافق وموال للنظام الإيراني. ومن أبرز أعمال الحزب الثورات والمظاهرات التي قامت في عام 1994 تحت مسميات عدة مثل: منظمة العمل، وحركة أحرار البحرين، ومنظمة الوطن السليب. كان هذا الجناح يصدر نشرة شهرية تحت مسمى (صوت البحرين) من مقره في لندن، يبين فيها أهدافه ومطالبه وينشر أخباره، وهذا الجناح يتلقى دعماً من منظمات أجنبية حاقدة على البحرين، ويظهر في مطالبه الصبغة السياسية الإصلاحية، ولكن يعمل بأجنحته العسكرية في الخفاء. من الأحداث الناتجة عن هذه المخططات الأعمال الخطيرة التي حصلت عام ,1996 وتتمثل في أعمال حرق وقتل وتخريب، كان الترتيب لها في إيران، ونفذت على أرض البحرين المسالمة. ففي 14 مارس من العام المذكور قام هذا الجناح بإحراق مطعم واديان حيث لقي سبعة من الآسيويين مصرعهم، ثم قاموا في 21 مارس من العام نفسه بإحراق ''كراج الزياني'' وما فيه من سيارات، وفي 6 مايو 1996 أحرقوا ودمروا أكثر من تسعة محلات تجارية كبيرة، وأحرقت بعد ذاك عدداً من الفنادق والمدارس ومولدات الكهرباء، وبنك البحرين الإسلامي، وبنك البحرين الوطني، ومركز المعارض الدولي، وذلك بهدف شل الحركة الاقتصادية. في النصف الأول من عام 1996 كانت إذاعة طهران لا تفتأ تتقيأ بإثارة الفتن والبلابل التي تدعو إلى التمرد على الدولة والطعن في شرعيتها، ففي 13 فبراير أعلنت دعوة لوقف الحركة التجارية لمدة يومين، وفي 15 فبراير دعت الإذاعة لعدم الاحتفال بعيد الفطر، وفي 2 مايو دعت مواطني البحرين إلى العصيان المدني وعدم الاحتفال بعيد الأضحى، وهو الدور ذاته الذي قامت به قناة العالم في الأحداث الأخيرة، فالنَفَس واحد، والأسلوب الحاقد واحد، حتى الدعوات واحدة، عصيان، ودعوة إلى عدم شرعية النظام، وفي 22 مارس قالت تلك الإذاعة إن الحكومة لن تستطيع الوقوف أمام مطالب الشعب البحريني (قلب نظام الحكم)، وهو ما باتت تردده القناة المذكورة بكل وقاحة وصفاقة. الجناح العسكري أصبح يستمد أسلحته من شقيقه في الكويت وهذا ما ذكرته صحيفة ''الأنباء الكويتية'' بتاريخ 10 يونيو1996 معلنة أن الجناح قد قام بشراء الأسلحة التي خلفها الجيش العراقي في الكويت، وقام بتهريبها إلى (حزب الله البحريني)، وأشارت في السياق نفسه أن الأوامر التي صدرت تضمنت اتباع خطة طويلة المدى لتهريب الأسلحة إلى البحرين، بحيث لا تستطيع أجهزة الأمن البحرينية اكتشاف خيوطها مرة واحدة، وكذلك ضرورة توزيعها على عدة مخابئ وفي أماكن متفرقة. وهذا ما تثبته الأحداث، بل إن المحاولات الأخيرة للانقلاب ذكرت أنها سوف تستخدم العنف في حال تدخل الأمن في تفريق المظاهرات، وخصوصاً بعد دخول الشبح المرعب قوات درع الجزيرة. أفاد أحد قادة الجناح العسكري لأحرار البحرين في أحد اعترافاته بصلته بالمخابرات الإيرانية فيقول ''عقدنا اجتماعاً مع ضابط المخابرات الإيرانية أحمد شريفي، وفي هذا الاجتماع طرح علينا فكرة لتهريب الأسلحة إلى البحرين عن طريق البحر''. وأكد أحد المعتقلين (...) أيضاً هذا القول، بل كان تصريحه أوضح فقال: إن الهدف من أعمالهم هو قلب نظام الحكم بالقوة العسكرية، وإقامة حكومة موالية لإيران. واستكمالاً للدور العسكري فإن التعامل مع الأسلحة يحتاج تدريب. لذا أرسلت أول دفعة للتدريب إلى (كرج) شمال طهران، وقد صرح وزير شؤون مجلس الوزراء والإعلام البحريني آنذاك أن الجناح العسكري لحركة أحرار قام بمجموعة التدريبات في معسكرات الحرس الثوري في إيران، وبعد أن كشف الأمر بضلوع إيران في أحداث العنف على أرض البحرين تم نقل المجموعات إلى معسكرات حزب الله في لبنان. وقد كشفت بعض الوثائق أن معسكرين قريبين من لبنان وحولهما مقدسات يتم فيهما تدريب بعض أفراد هذا الحزب، والتدريب يكون على استخدام الأسلحة والمتفجرات، وهذا ما نراه عندما قاموا باستخدام المولوتوف، كما إن بعض البيانات الصادرة عن جهال ثورة 14 فبراير تتوعد بتفجير بعض المنشآت الحيوية عن طريق العمليات الانتحارية إذا لم تخرج قوات درع الجزيرة من البحرين، ومن التدريبات التي يتلقونها أيضاً في تلك المعسكرات ألعاب الدفاع عن النفس، وكيفية جمع وتوصيل المعلومات وهو ما شاهدناه بالتعامل مع القنوات العالمية حيث تميز بالسرعة والاحترافية بالكذب، ومنها جمع وتوزيع الأوراق السرية وكيفية تزويرها، هذا موجز ما تناقلته الصحف آنذاك من تصريح لسمو وزير الداخلية الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة. وكما ذكرت مجلة الوطن العربي عدد (1543) بتاريخ 27 سبتمبر 2006: ''اجتمع (حزب الله) اللبناني ممثلاً بعدة شخصيات قيادية فيه، ومن بينهم: عكرم بركات وبين القوى (من أحرار البحرين) وذلك في دمشق، ثم في بيروت ودارت الحوارات حول خطة التحرك.. وتنظيم العمل السياسي بهدف توسيع التغلغل والنفوذ الإيراني في البحرين، وتعهد ''حسن نصر الله'' بدعم القوى (الموالية) في البحرين لمواصلة المشروع الذي يبغون الوصول إليه والعمل من أجله، ومن أجل هذا كان خطاب ''نصر الله'' الذي أثار العالم، ولعل هذا ما يكشف السر في توقف زعيم أحرار البحرين في محطة قريبة قبل وصوله إلى البحرين. وهنا قد يتبادر سؤال وجيه أين حزب الله في البحرين؟ وخصوصاً أنه لم يظهر إلى الساحة، بل إن الكثيرين لا يعرفون هذا المسمى إلا في لبنان، وإن كانت تظهر أعلامه في كل مناسبة يعبر بها المعارضون عن مطالبهم، ولكن حتى تخفى خيوط اللعبة كان لا بد من تغيير المسميات، فقد اتخذ حزب الله البحريني اسماً آخر هو: ''أحرار البحرين''
التعليقات