عيسى الغيث

هناك فرق شاسع بين التشيع لآل البيت عليهم السلام، وبين الصفوية الفارسية، وحينما نتحدث عن مؤامرة فهذا لا يعني الإيمان بالأوهام والتعلق بالظنون، لأننا رأينا من ينفي وجود الصفوية فضلاً عن مؤامراتها، في حين أن الواقع ومنذ ثلاثين عاماً يؤكد ذلك، ولكن المثبت مقدم على النافي، ومن لم ير فليس بحجة على من رأى، خصوصاً إذا كان النافي هو ضمن أدوات المؤامرة ولو كان بلاوعي وبحسن نية.

فهاهي جزر الإمارات العربية محتلة من قبل الصفوية، والكويت تعلن القبض على ثماني خلايا تجسسية، والبحرين كشفت عن مؤامرة كبرى تبدأ بها وتنتقل إلى الجارة الكبرى، واليمن والحوثيون فيها أكبر من أن ينكره عاقل مبصر، فضلاً عن واقع العراق ولبنان، وازدواجية الموازين تجاه ثورة الشعب الإيراني ، مما يعني أن الصفويين وقنواتهم الفضائية وأدواتهم الميدانية أقل من أن ينخدع بها أدنى مدرك.

وللبيان أكثر، وبشفافية أكبر، فلو رأينا هذه الطائفية التي تتبناها الصفوية لوجدنا أنها حصان طروادة لتحقيق الأهداف القومية الفارسية، وليس إصرارهم على مسمى الخليج بأنه فارسي إلا لقصد خطير وليس لمجرد الاسم، فهذا يعني أن كل ما في هذا الخليج هو للفرس، وهو ما يؤكده زعمهم بأن كل الجزر في الخليج هي حقهم، بداية من جزر الإمارات الثلاث وليس نهاية بجزيرة البحرين التي طالما قالوا صراحة بأنها المقاطعة الرابعة عشرة لإيران الفارسية.

وهنا تأملتُ هذه الطائفة في المنطقة العربية، فوجدتها الطائفة الوحيدة التي يتم استغلالها في إثارة الفتن بين المواطنين، ولذا رأينا في اليمن السني والزيدي بلا صراع، وفي عُمان السني والإباضي بلا صراع، وفي سورية السني والعلوي بلا صراع، وحتى في إيران السني والجعفري بلا صراع، ولكن ما أن تأتي للطائفة الإمامية إلا وتجدها قد تم خطفها وإثارة الفتن بواسطتها لمصالح الصفوية، فهذه العراق ولبنان، والحوثيون في اليمن، ناهيك عن الخليج، وحتى إثارة الفتن في أفريقيا وآسيا وغيرهما.

والذي يخصنا نحن السعوديين بشكل مباشر وفاضح تلك الاتهامات الباطلة التي تضمنها البيان غير المسؤول الصادر عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني بشأن المملكة العربية السعودية وأنها تلعب بالنار؛ حيث اعتبر الوزراء أن هذا الموقف عدائي وتدخل استفزازي في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون

وبالضد تتبين الأشياء، فدول الخليج لم تستغل السنة في البلاد الأخرى لأجندتها، مع أنهم يعيشون في عدة بلدان تحت حاكم من غير طائفتهم، بل وفي بعض البلاد يكونون الأغلبية، ومع ذلك فلم يصبحوا فزاعة وأداة لدول أخرى.

وقبل أمس الأحد عقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية دول الخليج في الرياض، وذلك بناءً على ظروف المنطقة، حيث دانت دول الخليج العربي التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية لدولة الكويت ومملكة البحرين، مشيرة إلى أن هذا التدخل يعتبر انتهاكاً للمواثيق الدولية ومبادئ حسن الجوار، مؤكدة على مشروعية تواجد قوات درع الجزيرة في البحرين بناء على طلب المنامة.

والذي يخصنا نحن السعوديين بشكل مباشر وفاضح تلك الاتهامات الباطلة التي تضمنها البيان غير المسؤول الصادر عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني بشأن المملكة العربية السعودية وأنها تلعب بالنار؛ حيث اعتبر الوزراء أن هذا الموقف عدائي وتدخل استفزازي في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون، وطالب الوزراء في بيانهم إيران بالكف عن هذه السياسات العدوانية والالتزام بمبادئ حسن الجوار واحترام القوانين والمواثيق الدولية بما يكفل الحفاظ على استقرار المنطقة.

وأنا هنا لا أستغرب المؤامرة الصفوية ولعبها بالنار المجوسية؛ لأنها ليست وليدة اليوم، وإنما هي قد بلغت الحلم مرتين، ولكن الذي يستغربه كل مواطن هو بقاء دول الخليج لثلث قرن في مربع الدفاع الدائم والتوقف عند حدود ردود الأفعال، ودون المبادرة للمقاومة الدائمة والاستراتيجية والمؤسسية، وإنشاء مراكز البحوث والدراسات المتخصصة التي تقوم بالرصد الدائم والتحليل الدقيق والتوصية العاجلة للتنفيذ المباشر، فضلاً عن تفعيل قوله تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، وقوله سبحانه: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، وقوله جل وعلا: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)، لأنه من المعروف أن سياسة عدم التدخل في شؤون الغير ليست مطلقة، وإنما هي مقيدة بالتزام الآخر بها، ولكن حينما يصدر صفويته، ويستغل بعض العرب لتحقيق مطامعه، فهنا ليس من العقل والشرع والعرف العالمي والفطرة الإنسانية ألا يتم التعامل بالمثل، خصوصاً أن لدى دول الخليج الإمكانات المالية والبشرية، ولو لم يكن إلا بواسطة افتتاح القنوات الفضائية والمناشط الإلكترونية مع الدعم العلمي والثقافي وفتح الجامعات، لكفى به مُشْغلاً للظالم في نفسه عن أن يشغل غيره ويعتدي عليه، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فما بالكم بالذي يلدغ عشرات المرات، حتى سرى الملل إلى نفوس المواطنين من تكرار هذه المشكلة مع أن الحل سهل ولكن يحتاج لإرادة جازمة ودائمة وحكيمة.

ومما أعجب منه نفي البعض لوجود الصفوية فضلاً عن مؤامراتها ناهيك عن تنفيذها في مرابعنا، ولعبها بالنار، ولكن لا يلام المرء حينما لا يرى السفينة وذلك لكونه في داخلها، ولو حرر عقله قليلاً لعرف في أي بحر يسرح، وإلى أي ساحل يمرح، وأنه أصبح أداة ومركباً ذلولاً لهذه الأجندات التي لم تعط القريب حقه فكيف تزعم انتصارها للبعيد الذي أذلت أخاه في أراضيها وقمعت المطالبين بحقوقهم في شوارعها.

وعلى هذا فدول الخليج اليوم في اختبار كبير لمدى الجاهزية لسرعة التحرك نحو حماية أمنها القومي، ولن يتحقق ذلك إلا بتحصين ذاتي للداخل الوطني، وتعزيز لأدوات الضغط على الآخر الذي ثبت بأنه لا يفهم غير لغة القوة، وإذا كان يقال بأنهم رجال لعبة الشطرنج وخبراء نسج السجاد بالسنوات الطوال، وأنهم يعرفون متى يتقدمون ومتى يتأخرون، ولهم طول النفس، فإن العرب يعرفون أكثر من ذلك، وما القادسية عنا ببعيد، والتي حملوها في نفوسهم منذ ذلك الزمن البعيد، ولا يصح الوقوف صامتين في ظل هذه التدخلات السافرة، بل وما حصل تجاهنا كشعوب في عروبتنا وديننا، فلقينا من هؤلاء وأدواتهم الكثير من الاعتداءات غير المتناهية، ولا يسوغ الحلم أكثر من ذلك، والدور الكبير على إخوتنا الشيعة العرب في الخليج بأن يكون لهم دور إيجابي فيما يجري، لأنه في زمن الفتنة لا يجوز الحياد، فمن لم يكن ضد الفتنة فهو جزء منها، ولذا فمن لم يقف في صف دول الخليج فهو ضدها.

ومع كل ما جرى ويجري فنحن مؤمنون بأن الغالبية من إخوتنا الشيعة الخليجيين مخلصون ووطنيون، ولا يؤمنون بهذه الاعتداءات على دولهم الخليجية وإخوانهم العرب والسنة، وليس على مجرد حكوماتهم التي عُدت محتلة وأن القوات السعودية أقامت مجازر عاشوراء ثانية في كربلاء البحرين بزعمهم، في حين أنهم لم يقدموا ولو دليلاً واحداً على ذلك، بل وإن ما سقط في البحرين من ضحايا - للأسف الشديد - في شهر كامل لا يساوي ما سقط في يوم واحد في غيرها، ومع ذلك رأينا تلك القنوات الإيرانية تتجاهل ذلك المشهد لأنهم من السنة ولأنها دولة حليفة، وليس هذا بغريب ما دام إخوتنا الشيعة في إيران نفسها وفي طهران العاصمة يسحلون حينما يتظاهرون، ولكنها الأجندة الفارسية الصفوية بأحمق صورها وأبشع أدلتها.

ولذا فالكرة اليوم في ملعب إخوتنا الشيعة الخليجيين بأن نسمع منهم موقفاً تجاه ما يجري، مع احترامنا وتقديرنا لبوادر طيبة من شباب نؤمل فيهم مستقبلاً أفضل، ومن ذلك مقال الأخ حسين بزبوز بعنوان: (كلمة أكثر صراحة... أوقفوا كل المظاهرات)، وما حمله من مضامين أرجو أن أراها تتطور وتنتشر ولا تكون اليتيمة، لأن المصارحة قبل المصالحة، والتخلية قبل التحلية، ونتفاءل بأخوّة حقيقية في زمن الشدة وليس في زمن الرخاء فقط، مع أمثال هذا الجيل الجديد.

ولذا فشعار مواطني الخليج اليوم هو : الشعب يريد مقاومة الصفوية..