عدنان حسين
بعيداً عن الأضواء بحث عسكريون ودبلوماسيون عراقيون وأميركيون في إمكانية الإبقاء على نحو عشرين ألفا من القوات الأميركية في العراق بعد أن يحين موعد الانسحاب الأميركي الكامل في اليوم الأخير من العام الحالي. العسكريون والدبلوماسيون العراقيون والأميركيون على السواء مقتنعون بالحاجة الى بقاء هذه القوات، لكن القرار الأخير يعود الى حكومتيهم في بغداد وواشنطن. والحكومتان العراقية والأميركية هما أيضا مقتنعتان بهذه الحاجة، لكن المشكلة التي تحول دون التوقيع على اتفاق بهذا الشأن هي ان كلاً من الرئيس باراك أوباما ورئيس الحكومة العراقية نوري المالكي لا يرغب في أن يكون المبادر بطلب الإبقاء على القوات حتى لا يواجه مشاكل في الداخل تؤثر على مستقبله السياسي أو وضعه الحكومي الحالي.
الرئيس أوباما يبحث عنquot;الستر والعافيةquot;ليؤمن انتخابه الى ولاية ثانية، وقد أعلن رسمياً منذ أيام ترشحه في الانتخابات التي تجري أواخر العام المقبل، وهو تعهد لناخبيه بأن يسحب قوات بلاده من العراق خلال فترة ولايته الحالية، والإبقاء على القوات يُحرجه أمام الناخبين ويُعطي خصومه الجمهوريين مادة دسمة خلال الحملة الانتخابية للتشكيك في مصداقيته، وهو يتطلع الى أن يتلقى طلباً من الحكومة العراقية بالتمديد حتى يرفع هذا الطلب في وجوه المعارضين للتمديد.
السيد المالكي من ناحيته يبحث عنquot;الستر والعافيةquot;أيضاً، فهو في وضع هش ويقود حكومة ضعيفة بسبب ان شركاءه في هذه الحكومة هم خصومه الأشد، وهم يصلون الليل بالنهار في العمل لإثبات انه رئيس فاشل لحكومة فاشلة، مع انها حكومتهم أيضاً. وهم لا يتوانون عن اغتنام أي فرصة والبحث عن أي ذريعة لإسقاطه كي يرثوه (كل واحد من هؤلاء الأخوة الأعداء الكُثر يرى نفسه ابن عبدكا وطلاع الثنايا.. الأصلح والأنسب لهذه الوراثة).
وبالطبع فان الإبقاء على قوات أميركية بعد نهاية العام الحالي سيمنح هؤلاء الشركاء الخصوم الذريعة لشنquot;غزوةquot;جديدة على المالكي، وبالتأكيد لن يتردد بعضهم في تخوينه وربما التبرع له برقم في قائمة المرتبطين بـquot;سي آي أيهquot;(لا تستبعدوا!)، ولذا فان المالكي يرغب في أن يضمن مسبقاً موافقة ثلثي أعضاء البرلمان على قضية التمديد للقوات الأميركية ليتقدم بالطلب.
هل نحن بحاجة الى هذه القوات؟.. هذا هو السؤال الجوهري.
بعيداً عن ألاعيب السياسيين الحكام ومزايداتهم وأكاذيبهم ومؤامراتهم على بعضهم البعض، وهذا أمر واضح وجلي لكل العراقيين، فان الشعب العراقي مقتنع بان هناك بالفعل حاجة ماسة لبقاء القوات الأميركية مدة أخرى، غير محددة... ذلك ان هذا الشعب يعرف ان جيشه وقواته الأمنية لم تجهز بعد لضمان الأمن له. ربما يبدو عديد هذه القوات كافياً، لكن هناك مشكلة حقيقية في نقص العدة والتدريب والتنظيم. والأهم من هذا كله ان الشعب ليس واثقاً من ان الجيش أصبح جيشاً وطنياً وقوات الأمن غدت قوات وطنية.. فهذه القوات لم تزل موزعة الولاء بين الوطن والقوى السياسية المختلفة، التي وظّفت القادة والآمرين، بل ان بعض وحدات هذه القوات لم يزل ولاؤها الحقيقي للميليشيات التي كانت، وما برحت، جزءاً منها.
الشعب العراقي خائف من ان انسحاب القوات الأميركية قد يغري ليس فقطquot;القاعدةquot;وبقايا نظام صدام وبعض الجيران، وإنما ايضا الزعماء السياسيين وقادة الميليشيات الذين يكرهون بعضهم بعضاً ويتصارعون بضراوة علناً على رأس السلطة.. يغريهم برفع وتيرة حروبهم البينية، ما يُدخل البلاد في نفق مظلم جديد، ويُلقي بها في حمام دم رهيب آخر كما حصل في بداية عهد حكومة المالكي الأولى.
باختصار.. الشعب لا يثق بالسياسيين الممسكين بالسلطة الآن المشغولين كلياً بصراعاتهم ومغانمهم، وهو يفضّل أن يتجرّع المرّ بإبقاء القوات الأميركية ضمانا لأمنه ومستقبله، الى أن يبلغ هؤلاء السياسيون سن الرشد أو يعتلي سياسيون جدد خشبة المسرح.. سياسيون عندهم ضمير مثل سياسيي بنغلادش كما يقول متظاهرو ساحة التحرير.
التعليقات