عبدالرحمن الراشد

يبدو أن الحرب في ليبيا تتجه إلى أحد حلين، كلاهما مر، إما أن يبقى نظام القذافي ربما شريكا مع بعض الثوار، أو التسليم بتقسيم البلاد إلى دولتين. لا حل آخر مع تراجع الحسم العسكري المبكر الذي ينذر بحرب أهلية إلى سنوات. فالثوار يعانون من ضعف في قدراتهم العسكرية، رغم أن قوات التحالف عمليا ألغت القوة الجوية للقذافي مما أنقذهم من هزيمة مؤكدة قبل أكثر من أسبوعين. أيضا، لم تفلح عمليات القصف الجوية التي تشنها طائرات التحالف في تغيير المعادلة على الأرض لأن قوات الثوار صغيرة وعاجزة عن إمداد نفسها بمتطوعين جدد مؤهلين لإدارة الأسلحة التي بحوزتها، وبالتالي فإن القصف الجوي وحده لن يهزم قوات القذافي الأكثر عددا وتسليحا وتدريبا، وبينها قوات مرتزقة ذات تدريب عال. أيضا من المستبعد أن تقوم القوات الدولية بشن حرب برية بالنيابة عن الثوار، ففضلا عن أن قرار مجلس الأمن لا يخولها بذلك أيضا كل الدول الكبرى تقريبا أصبحت أكثر قلقا من حرب طويلة ليست مستعدة لها ولا راغبة فيها. أما بالنسبة للثوار فإنهم نجحوا سريعا في البداية ثم أخفقوا في إحراز أي تقدم حقيقي، ومن دون انتصارات ثابتة ستتراجع الدول المؤيدة لهم. والأخطر من ذلك أنهم لم يفلحوا بعد في دحض دعاية القذافي التي تقوم على تخويف الغرب من وجود تنظيمات إسلامية مسلحة خطرة بما فيها laquo;القاعدةraquo;. فهذه الدول الكبرى المعنية، وإن كان لديها استخباراتها على الأرض، تظل قلقة من وجود عناصر متسللة ربما من الجزائر، سلفية جهادية، أو من جنوب الصحراء مرتبطة بـlaquo;القاعدةraquo;، أو جماعات قاعدة أطلق سراحها نظام القذافي من سجونه لتقاتل القوات الأجنبية في صفوف الثوار.

ولا يمكن طمأنة المجتمع الدولي القلق من تكرار تجربة المجاهدين في أفغانستان إلا بإقامة قيادة موحدة للثوار يدينون لها جميعا بالطاعة ولها سيطرة كاملة، وليس مجرد تجمع قيادات عن كل الثوار. بل إن التأخير في تحقيق هذه القيادة الحقيقية هو سبب تعثرهم حتى الآن بخلاف معسكر القذافي المنضبط بشكل كامل تحت قيادة سيف الإسلام القذافي الذي يبدو أنه عمليا من يحكم حاليا وليس والده، ورغم الانشقاقات الخطيرة بخروج وزير الخارجية موسى كوسا وبعض القيادات العسكرية فإن نظام القذافي يعمل على خطوط متوازية ناجحة عسكرية وتفاوضية سياسية.

وبسبب الإحباطات التي تواجه الثوار، وكثرة الطباخين في مطبخهم الداخلي، تصدر عنهم مواقف قد تكلفهم كل ما جمعوه من مكاسب. فخلافاتهم مع دول رئيسية، مثل الجزائر، خطأ استراتيجي خطير حتى وإن اتخذت جارتهم مواقف معادية لهم. ثم إن كيلهم الاتهامات لدول التحالف بسبب أخطاء عسكرية، أو تلكؤ في الهجمات على قوات القذافي، أيضا يظهر عدم حصافة عند قيادتهم. ففي العالم الكثير من المحن والثورات لكن من النادر أن تحصل إحداها على ما حصل عليه الثوار الليبيون حتى الآن من تأييد دولي وبهذه السرعة القياسية. والحقيقة أن التأييد ليس حبا فيهم بل كرها في القذافي، وهذا أمر لن يستمر إن ظهر للثوار وجه غاضب ومتبرم دائما. وعليهم ألا ينسوا أن القذافي يملك أكثر من ستمائة مليار دولار مخزنة في بنوك العالم يستطيع بها وبالذهب والوعود أن يشتري الكثير من الحكومات والجيوش والمنظمات الدولية؟ لهذا ليس أمام الثوار سوى إثبات أنهم فريق واحد برأس متفق عليه، وإثبات أنهم قادرون على تجنيد عشرات آلاف من الثوار الإضافيين وإلا فإن دول التحالف لن تستمر متحالفة ولن تحارب بالنيابة عنهم مهما كبرت المأساة.