عدنان ابو زيد: يعطف التاسع من نيسان التأريخ، بين صفحات من الماضي وتطلعات مستقبلية عايشها العراقيون والعرب والعالم، وإذا كان هذا التاريخ حدثا عالميا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فانه يمثل تحولا تأريخيا عربيا، وعراقيا على وجه الخصوص، ذلك ان لكل عراقي حكاية خاصة، بل أمل وخيبة، ترقب وانتظار، مثلما لكل عربي وجهة نظر، ووقفة، أمام حدث عصف بالنسق العربي، وأربك الحسابات، وغير الموازين الى الأبد في هذا المنطقة الحيوية من العالم. في هذا الجزء من التحقيق تنقل ايلاف حكايات النخب المثقفة العراقية، مثلما ستنشر في حلقة أخرى هواجس وقصص عربية عن يوم التاسع من نيسان، وقصة سقوط تمثال الفردوس ووجهات النظر المختلفة حول المستقبل الذي تلا ذلك اليوم من التاريخ..
عدنان حسين: إنتظرته 8700 يوم
صحفي وكاتب عراقي
كان يوماً مشهوداً.. الأربعاء التاسع من نيسان (أبريل) 2003 كان واحداً من أهم أيام حياتي، إنتظرته نحو 8700 يوم (24 سنة) أمضيتها في المنفى الذي أضطرّني اليه صدام حسين.
يومها كنت في ذروة نشاطي الصحفي في صحيفة quot;الشرق الأوسطquot; (لندن) التي كان يقودها آنذاك الإعلامي البارع الذكي عبد الرحمن الراشد... هو وأنا كنا من أكثر الناس إغتباطا بالحدث، ليس فقط من الزاوية المهنية، وإنما أيضا من موقف سياسي- إنساني - أخلاقي يرى ان الشعب العراقي يستحق حاكماً أفضل من صدام (وما زلنا نعتقد انه يستحق أفضل من الحكام الحاليين أيضاً).
تابعنا الحدث مع سائر الزملاء بكل الإهتمام.. كرّسنا له عدداً كبيراً من صفحات العدد الذي ظهر في اليوم التالي.. الصفحة الأولى لم تتضمن سوى مانشيت بثلاث كلمات: quot;.. وسقط نظام صدامquot;، فيما غطت الصفحة صورة سقوط الصنم.. تمثال صدام في ساحة الفردوس.... من الأعماق هزّني المشهد فرحاً وأنا أتابعه على التلفزيون في قاعة التحرير.
أعترف بأنني كنت يومها متفائلاً أكثر مما ينبغي.. كنت أحلم بالعراق الديمقراطي الفيدرالي المستقر الزاهر والمرفّه الذي يكون الرافعة لنشر الديمقراطية، بقدوة الأنموذج، في المحيط العربي والشرق أوسطي.. لم أتخيل ان خلفاء صدام هم بالسوء الذي ظهروا به طيلة السنوات الثماني الماضية.. بالسوء الذي كان عليه صدام.
كفاح محمود كريم: ما زلنا في الاتجاه الصحيح
كاتب وصحفي
كنا نقود مع مجموعة مناضلة من الأهالي الجماهير للسيطرة على مقرات الدولة ومؤسساتها في قضاء سنجار غرب الموصل، ومنع السلب والنهب وتنظيم الحياة والحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعيين، أتذكر انني تحدثت مع سكان احد الأحياء المغلقة لأعضاء ومنتسبي حزب السلطة في صبيحة هذا اليوم، وقد تركهم أولياء امورهم من قيادات البعث وهربوا، قلت لهم العراق لم يسقط بل سقط نظامه السياسي المتخلف، نحن اخوة وأشقاء وبلغوا اولياء أموركم بالعودة إليكم ما لم يكونوا مجرمين او سراق.كانت الامال كبيرة وما تحقق اقل بكثير مما كنا نهدف اليه، ورغم ذلك ما زلنا في الاتجاه الصحيح رغم كل ما يحدث من تحديات وارهاصات..
عباس داخل حسن: فصل دموي جديد
كاتب
كم من الاجيال انتظرت لحظة سقوط الديكتاتور المخصي بالإرادة الدولية والمدجج بكل انواع اسلحة القتل لابناء شعبه ودارت الايام على الباغي دورتها وحاول من حاول باستماته لاسقاط هذا الرمز الذي ارق امة باكملها ونشر كل انواع القتل والجوع والحرمان لكن للأسف كنت طيلة ذلك اليوم مشدودا لارادة صلبة لسقوط الصنم على ايدي العراقيين دون ظفر فأسقطت الرافعة الأميركية الصنم وحلت بنا فجيعة اخرى لا ندري مدياتها الى اين تنتهي بسبب المحاصصة والطائفية المقيتة ومن على الشاشة الصغيرة من المدار الآخر.
سمعت شماتة الآخرين بشعب العراق ومن ثم اجتمعت على العراق قوارض الإرهاب ليبدأ فصل دموي جديد..
مشرق عباس: الملثمون في ذلك المكان
صحيفة الحياة اللندنية
كان منزلي مطلاً على المدخل الجنوبي من بغداد في حي الدورة حيث نفذت في السابع من نيسان (ابريل) نحو 20 مدرعة اميركية بسرعة الى قلب بغداد مطلقة النار على كل شيء متحرك
تبخر - الرفاق - ومن ثم ظهور الملثمين في ذلك المكان تحديداً كان وضع امام ناظري صورة متضاربة عن خط سير بغداد، فالمدينة كانت مستعدة لقلب صفحة نظام صدام حسين لكنها لم تكن على استعداد للتسليم لدبابة اميركية، فكيف تؤيد سقوط نظام وترفض من اسقطه؟ .. الحقيقة لم يكن بمقدور احد من داخل بغداد ان يفكر بما هو ابعد من ذلك المشهد
وربما من باب الدقة لم يكن بامكان احد ان يرفع ناظريه الى ما هو ابعد من صورة الدبابة والتمثال والنعال
عندما بدأت مسيرة السلب والنهب. لم يكن امام المثقف العراقي الا ان يبررها بامثلة لغياب النظام عبر العالم. وحين استفحلت الظاهرة واحرقت مؤسسات بغداد كانت لغة التبرير قد فقدت مقوماتها اول اشارة اخذتني مجبراً الى المستقبل. هي تحول المسجد سريعا في تلك الايام الى مرجعية. رجل الدين ترك منبره الى قيادة المناطق من دون استئذان. فاخذ يصدر الاوامر ويجمع الاتباع ويحول المسجد الى قاعة اجتماع وثكنة لاستقبال السلاح واستقطاب الشباب . كانت الصورة قد اصبحت اكثر وضوحاً مع مرور الايام. فالجيش الاميركي استقر على تحويل رجال الدين الى ناطقين باسم احيائهم. وسرعان ما تدفق هؤلاء لتحويل التفويض الاميركي الى امر واقع ودائم.
احد كبار السن الذين كانوا واثقين من - الحكمة - الاميركية قال لي يومها ان الأميركيين يعرفون ماذا يفعلون وبغداد سوف تخرج من كبوتها سريعا ، لكن السنوات مرت وبغداد تسقط في حرب اهلية طاحنة فتحت لها السياسات الاميركية - الحكيمة- ابوابا مشرعة. القلق يسبق السعادة او الحزن في بغداد - فالمشهد لا يحتمل سعادة مفرطة او حزناً - لغة المدافع والقتل لم تكن تسمح بذلك. والدم سمح بالغضب او اليأس لكن مع كل هذا الذهول فالامل لم ينعدم يوما.
محمد الوادي: أخذت إجازة عمل
المدير التنفيذي لشركة اي تي ان اي للانتاج الاعلامي
محلل في مركز تطوير الاتحاد الاوربي
يوم التاسع من نيسان 2003 كنت قد أستبقت الاحداث واخذت اجازة من عملي وذلك بعد ان فقدت الحيوية المطلوبة في التواصل مع العمل وبعد ان كانت الأحداث والأخبار تتوالى من بلدنا العراق ونحن نعيش في بلدان المنفى الاضطراري.لذلك تواصلت مع بعض وسائل الاعلام كمحلل سياسي وايضا بالاتصال مع بعض مراكز المعارضة انذاك في كردستان العراق والجنوب العراقي واتصالات اخرى في بغداد، بالنسبة لي كانت صورة الاحداث ونتائجها واضحة الى اين تتجه فلقد رسمت علامات الهزيمة الكبرى على وجوه صدام والصحاف والجزراوي وكانت هذه الهستيرية في تصريحاتهم انذاك دليل قاطع على قرب لحظة هزيمتهم النهائية. وكان يوم التاسع من نيسان 2003 لحظة تحول جوهري على مستوى التاريخ العراقي الاجتماعي والسياسي منذ قرون طويلة ولحظة شخصية وطنية وعاطفية لا توصف حينما انفجرت با البكاء الذي يحمل فرحة سقوط نظام الاقصاء الديكتاتوري ومرة اخرى بكاء حزن وانا ارى قوات التحالف وسط بغداد التاريخ والعراقة. لكن الواقعية السياسية على الارض كانت تتطلب التجرد من بعض العواطف والتعامل مع الحدث التاريخي بما يسخر الامور ويدفع بعودتها الى نصابها الصحيح والمنطقي وبناء عراق جديد حر ديمقراطي ودستوري. مع قراءة مسبقة لردود الافعال السلبية التي ستنطلق من دول الاقليم والجوار العراقي.العراق الان بخير رغم كل السلبيات التي تحيط بالعلمية السياسية ورغم حجم التأمر الكبير عليه.
اياد الدليمي
كاتب وصحافي بجريدة العرب القطرية
كعراقي لم يكن التاسع من نيسان يشبه التاسع من نيسان لدى اي متابع او مشاهد خارج العراق، فلقد نزحنا عن بغداد، كأغلب العوائل العراقية واتجهنا صوب محافظة ديالى الاقرب الى العاصمة، لم نعرف حقيقة ما كان يجري على الارض، لان وسائل الاعلام التي كانت متاحة لنا اغلبها كان محلي، بعد اسقاط التمثال بيوم او يومين، تسنى لنا مشاهدة ما جرى في ساحة الفردوس، كل ما شاهدناه في التاسع من نيسان، هي جحافل قوات الاحتلال وهي تقترب من بغداد عبر بوابة ديالى، لم نكن نصدق، ظننا للوهلة الاولى انها قوات عراقية، كانت الوقت فجرا، ولولا رؤية العلم الاميركي لما صدق احد ان قوات الاحتلال قد دخلت بغداد فعلا. كانت الصورة قاتمة، ما بين فرحة بانتهاء حكم الفرد وحزن برؤية قوات محتلة تدوس ارض بلدك لاول مرة.
عبد الخالق كطان: نستعيدها في لحظة ليبيا
كاتب وناقد
كنت في مدينة أديلايد، جنوب أستراليا، أتابع الحدث من خلال إذاعة سوا وتلفزيون السي أن أن..
لا يمكن وصف مشاعري لحظتها، كنت أكتب بانتظام في الأيام التي سبقت هذا اليوم لموقع إيلاف. وقد توقعت في تلك المقالات أن العراقيين إذا لم يرحبوا بالقوات الأميركية فإنهم سيقفون متفرجين ضمن نظرية عراقية شائعة اسمها: إتكاء الشر. ولقد حدث شيء من هذا القبيل. الترسانة الأميركية الضخمة أفزعت عساكر الديكتاتور فأرغمت أغلبهم على الاستسلام.. ثم وصلنا إلى يوم التاسع من نيسان لتسقط دبابة أميركية حائرة أعتى ديكتاتور معاصر. كانت هذه اللحظة فاصلاً بيين زمنين، نستطيع القول أننا نستعيدها بشكل واضح في لحظة ليبيا: الخيار بين ديكتاتور خبل أو القبول بدبابة الاحتلال. خياران أقساهما علقم
قيس مجيد المولى: حين استشهد الفتى
كاتب وشاعر
في صبيحة اليوم المشئوم التاسع من نيسان كنت مع مجموعة من الأصدقاء في شارع رئيس قريب من منطقة العبيدي أتحدث مع مجموعة من الأصدقاء الذين لا يؤمنون بالسلوك الأمريكي في التعامل مع قضايا العالم وفجأة مر أمامنا فتى يرتدي سروالا رياضيا وحاملا معه بندقية كلاشنكوف ومن خلفه إمرأة كانت تناديه بأعلى صوتها ب (موسى ). قام هذا الفتى بمهاجمة دبابة أمريكية وأستشهد على الحال ومنذ البدء شطر هذا الفتى ضمنيا المجتمع العراقي بين مؤيد للإحتلال وبين مقاوم له...لاشك أن المشهد الذي خطر على البال هو أكبر من سقوط تمثال فهو محاولة الغزاة التمكن من الإنجاز الحضاري الذي شع من بلاد الرافدين على دول العالم ومنذ فجر السلالات..
وبالتأكيد أن المستقبل الذي نتوقعه كان هو الذي رسمته واشنطن بمسخ الدالات الإيجابية في المجتمع العراقي والسيطرة على أرضه وإخضاع المنطقة حكاما وشعوبا تحت هيمنتها وتعميم الديمقراطيات المشوهة وتفتيت البنى الإرتكازية للمستقبل وأكثر من هذا ممارسة جرائمها وبحرية وفي ظل قانون دولي قامت واشنطن بتشريعه وتنفيذه فلا يمكن أن يتوقع المرء من واشنطن غير هذا الدمار الذي لحق مفاصل الحياة كافة،
طارق الحارس : الثوب الأسود
كاتب وصحافي
رئيس الجمعية الثقافية في ولاية جنوب استراليا
كنت أبحث عن أمي لأقبلها، لأهنئها، لأنزع عنها الثوب الأسود.. كلا، كنت أبحث عن قبر أخي الذي أعدمه تمثال ساحة الفردوس ولم يسلم جثمانه لأمي.. كلا، كلا كنت هناك في ساحة الفردوس أحاول كسر التمثال، لاسيما رأسه.. كلا، تذكرت الآن كنت في غرفتي أبكي من شدة الفرح. غرفتي البعيدة جدا عن ساحة الفردوس. غرفتي في مدينة أدلايد الاسترالية. روحي هي التي كانت تبحث عن أمي، روحي هي التي كانت تبحث عن جثمان أخي، روحي هي التي تسلقت التمثال وحاولت كسر رأسه
أما المشهد الذي رسمته في تلك اللحظة فهو أمنية تتجسد في أن أرى سقوط جميع التماثيل في الوطن العربي وحمدا لله أنني أرى تساقطها هذه الأيام
عبدالمنعم الاعسم : الزلزال
كاتب وصحافي
في التاسع من نيسان العام الفين وثلاثة وقعت في العراق اربع انعطافات، وقل اربعة زلازل، ربما تعني، في التحليل التبسيطي، شيئا واحدا، او نتيجة واحدة، لكنها في الواقع اسفرت عن تشظيات عميقة في الواقع العراقي موزعة بحسب الموقف مما حدث، وعلى ضوء النتائج التي انتهت اليها الاحداث.
فما حدث (اولا) سقوط مدوٍ لنظام الحزب الواحد الدكتاتوري الذي خاض حربين في وقت واحد، وخسرهما، واحدة ضد القوات الامريكية البريطانية المغيرة بغرض دحرها، والثانية، ضد الملايين العراقية لجهة قهرها وتكبيلها وإذلالها، وشهد هذا اليوم، ايضا، سقوطا آخر لمدينة بغداد امام جحافل اللصوص والجريمة المنظمة والنهابين وعصابات السطو التي تشكلت على عجالة.
وما حدث (ثانيا) احتلال بكل تطبيقاته المدرسية إذ استند الى قرارات المجتمع الدولي التي بلغت تسعة عشر قرارا وبخاصة القرار 4771 الذي حذر العراق من ldquo;العواقب الوخيمةrdquo; واباحت في النهاية، وبحسب البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، استخدام القوة.
كما حدث في هذا اليوم (ثالثا) تغيير في هوية الدولة، والتغيير هنا من حيث مفهومه ونتائجه لا يعني بالضرورة ان كل ما تغيّر في العراق كان ايجابيا او ارتقائيا، فقد دخلت البلاد في طور انتقالي من عهد الدكتاتورية الفردية الخانق الى فضاء مفتوح من الحريات وصراع الارادات والمشاريع وغياب الادارة الحازمة والتدخل الاقليمي واعمال النهب والارهاب والقتل وانهيار الخدمات. وحدث في هذا اليوم (رابعا) ما يمكن تسميته، بحذر، التحرير، فقد تحرر العراق من موصوف الدولة الاستبدادية وأجهزتها القمعية..