داود الشريان


الخروج الغامض للرئيس المصري السابق من السلطة، وتمسكه بالصمت طوال الفترة الماضية، وإصراره على البقاء في البلد وهو كان قادراً على الهرب، أوقع الثوار والمجلس العسكري، وبعض المعارضة المصرية، بتردد وحرج في كيفية التعامل معه. وعلى رغم أن جميع أركان نظامه اصبحوا في السجن، إلا أن الوصول إليه لم يكن واضحاً أو محسوماً. حتى ساد اعتقاد بأن ثمة اتفاقاً بين الجيش ومبارك بأن تخليه السريع والهادئ عن الحكم، تم بصفقة تضمن عدم ملاحقته شخصياً. لكن خروجه أخيراً على الناس بهذا الخطاب الغريب بدّد كل الشكوك، وكشف ان الرجل غير مدرك خطورة موقفه ووضعه.

حين أعلنت قناة laquo;العربيةraquo; أنها ستبث خطاباً صوتياً للرئيس مبارك توقع الجميع ان مبارك سيعاود طرح مضمون خطابه الأخير قبل التنحي، في شكل اعتذاري ومتواضع، وأنه سيشكر المجلس العسكري والثوار، ويعلن انه مصاب بالحزن والغضب للصورة التي تكشفت عن نظامه، وحجم الفساد الذي صبغ سلوك نجليه ورجاله. ويعلن استعداده لكشف الحقائق، ويقدم صورة كاملة عن ممتلكاته وعائلته، ويضع نفسه تحت تصرف المدعي العام، ويطلب الصفح من الشعب. لكن الرجل ظهر بصورة متحدية لا تختلف في مضمونها عن تلك التي تصرف بها صدام حسين خلال محاكمته. كان متعالياً ومتجاهلاً حجم الكارثة التي شكّلها في البلد.

لا شك في أن مبارك جنى على نفسه بهذا الخطاب المرتبك. وهو خيّب ظن أولئك الذين كانوا ينظرون إليه بحال من التعاطف، نظراً الى كبر سنه، وما قدم في السنوات الأولى لحكمه، فهو أرسى حالاً من الاستقرار، ونجح في تجاوز الوضع الذي تلى اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وهو كان قادراً على كسب العطف لهذه الأسباب. وربما فاز بالتجاوز عن أخطائه الفادحة، لو انه تحلى بالواقعية السياسية، وتخلى عن الغرور وأحلام المواجهة، لكن استمرار حكمه كل هذه السنوات أفقده القدرة على تقدير مشاعر المصريين.

الأكيد ان الرئيس المخلوع دمر كل الأسباب والأعذار التي كان البعض يحاول أن يحميه بها، وهو اصبح الرئيس العربي الثاني الذي سيقف أمام المحكمة. فضلاً عن أن مبارك بهذا الموقف الأحمق أثبت أن كل ما قيل عن نظامه وفترة حكمه لا يقبل الشك.