خليل علي حيدر

الثورات الجارفة التي عمت العالم العربي خلال الاشهر الاخيرة ولاتزال ملتهبة، وضعت مشروع laquo;حزب اللهraquo; اللبناني، وكذلك الاعلام الثوري الايراني المطروح منذ 1979، بل وكل المفاهيم التي راجت في الحياة السياسية العربية.. في وضع حرج.
مئات الألوف من سكان العديد من البلدان العربية يخرجون الى الشوارع ويستقبلون الرصاص ويستمرون في مواقفهم مهما كانت التضحيات، بل يقبل عشرات الالوف منهم في ليبيا على الانخراط في التدريب المتعجل السريع على حمل السلاح والتعامل مع مضادات الطائرات.. كل هذه الامواج من الثوار والشعارات والهتافات الجديدة، ولم نسمع حتى الآن من يشتم امريكا أو يطالب بنظام ديني معين أو حتى يهدد اسرائيل والصهيونية والامبريالية، أو يحرق الصور والاعلام!
الشعوب العربية من المغرب الى المشرق اظهرت بوضوح انها تدرك اليوم ما تريد. وانها تطالب بتغيير الانظمة والقضاء على الزعامات الخالدة وانهاء الفساد السياسي والاقتصادي الخانق الذي جثم على صدورها اكثر من نصف قرن.
اللبنانيون انفسهم صاروا يتظاهرون يريدون laquo;اسقاط النظامraquo; والتخلص من الطائفية وكل هذه الشرانق والوضع الخانق الذي يكبل حياة الشباب ويدخل الشعب اللبناني في نفق طائفي مظلم.. لا مخرج منه.
الناس الثائرون في هذه المجتمعات لم يعودوا يعبدون الشعارات القديمة، ولم تعد مكترثة بمطاردة الغيلان واصطياد السعالي والجري خلف الاوهام وتحمل الديكتاتوريات والاستبداديات والوراثيات، في laquo;سبيل الوحدة العربيةraquo; وraquo;الصمود امام المحتلraquo; وraquo;رفع راية المقاومةraquo;. لقد اكتشف الجميع فجأة ان الاستعمار والامبريالية والصهيونية لم ولن يفعلوا بهم ما فعلته بعض هذه الحكومات، ولن تنهب ما نهبت، ولن تعذب وتقتل وتتسلط مثل ما فعلت! لم تعد laquo;الجماهيرraquo; تطرح الشعارات الضخمة وraquo;الكلام الكبيرraquo; والمطالب العقائدية والعاطفية. بل صارت تقول بصراحة نريد ان نعيش بحرية كما يعيش الناس في اوروبا!
هذه الجملة البسيطة، وهذه الحقيقة البدهية، التي كان ينبغي ان نتحور حولها دائما ونجعلها المطلب الاساسي في فكرنا السياسي، ضاعت من عقول الناس ومن فم الجماهير ومن دفاتر الساسة والمناضلين، ربما منذ ايام جمال الدين الافغاني والكواكبي حتى اليوم!
الناس اكتشفت دون غطاء أو غشاء هذه الحقيقة المروعة، وهي انها لا تعيش مثلما يعيش الناس في البلدان المتقدمة، وانها لا تنتمي الى القرن الحادي والعشرين، وانها على هامش كل ثورات العلوم والاتصالات ومجتمعات الرفاهية، وانها تركب زوارق الغرق والموت، مودعة الاهل والأم والزوجة والولد، هاربة من دول ثرية زاخرة بالامكانيات، محاولة مجرد رؤية السواحل الايطالية أو الفرنسية أو الاسبانية في الافق.. واحسرتاه على العباد والشباب!
لا ايران للاسف الشديد ولا حزب الله في لبنان مهيآن اليوم، بعد تركيبة عقلية دامت ثلاثة عقود، لاستيعاب ما جرى للعرب وربما لشعوب الشرق الاوسط وربما للمسلمين عموما. ولكن باستطاعة حزب الله ان يتدارك امره، وان يبدأ بامكانياته الهائلة وجمهوره الواسع الثورة على نفسه اولا، وعلى الانقسامات الطائفية في لبنان. وان يقود مع بقية التيارات الشبابية والقوى اللبنانية التي تخنقها هذه الطائفية، تحركا جديدا، ينقذ لبنان وربما دول الخليج وربما العراق، من بعض مآسيها ويخرجها من بعض هذه الدهاليز!
شعوب العالم العربي اكتشفت انها لا تعبأ بالحصول على الاسلحة الذرية حتى لو كان مثل هذا السلاح بيد اسرائيل، وان معارك التقدم والتنمية ساحتها مجتمعاتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومزارعنا ومؤسساتنا الاقتصادية والعلمية لا على الحدود! وان العدو الذي دمرنا ولايزال يهددنا، هو الاستبداد السياسي والفساد المالي وغياب الديموقراطية والمحاسبة.
نريد ان نعيش حياة عصرية حرة.. في ظل القانون! نريد ان نعيش بحرية laquo;مثل ما يعيش الناس في اوروباraquo;..!
هل هذا كثير علينا.. بعد كل هذه التضحيات!