الياس سحاب
إذا كان من الطبيعي أن تكون كل المجتمعات العربية، من الخليج إلى المحيط، قد تأثرت ومازالت تتأثر بمفاعيل حركة التغيير التي اجتاحت ست أو سبع دول عربية، وبلغت حداً كبيراً من النجاح في اثنتين منهما حتى الآن (تونس ومصر)، فإن من الطبيعي أيضاً أن يكون المجتمع الفلسطيني في طليعة هذه المجتمعات العربية المتأثرة، سواء في ذلك فلسطينيو الداخل (أي الذين يحملون قسراً الجنسية ldquo;الإسرائيليةrdquo;)، أو فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة .
ولعل على رأس الأسباب العامة لهذا التأثر، سبباً شديد الخصوصية بالنسبة لفلسطين وقضيتها، هو الحدود المشتركة بين قطاع غزة الفلسطيني المحاصر وصحراء سيناء المصرية من جهة، والتغيير الهائل المفترض أن يطرأ إيجابياً على دور الدولة المصرية في الصراع العربي- ldquo;الإسرائيليrdquo; فينهي صورة خروج مصر المؤقت من هذا الصراع، حل ينهي تحول نظام حسني مبارك، في السنوات العشر الأخيرة بالذات، إلى كنز ldquo;إسرائيلrdquo; الاستراتيجي، على حد تعبير أكثر من مسؤول ldquo;إسرائيليrdquo; رفيع، في فترة تهاوي نظام مبارك .
طبعاً ليس المتوقع أبداً تحولاً كاملاً لدولة مصر من الغياب الكامل عن الصراع (وهو الحالة السائدة في العقود الأخيرة)، إلى عودة انخراطها الكامل به دفعة واحدة، لكن الشيء المؤكد والملموس أن وزير الخارجية المصري الجديد، الدكتور نبيل العربي، أكد في تصريح علني له، أن مصر، بعد ثورة 25 يناير، توقفت نهائياً عن أن تكون كنز ldquo;إسرائيلrdquo; الاستراتيجي .
ولكن، وبما أن هذا النمط من التأثر هو موضوع مؤجل، فإن ما أود لفت النظر إليه في ما يبقى من سطور هذا المقال، هو التأثر العام للمجتمع الفلسطيني برياح التغيير التي هبت على المنطقة العربية منذ مطلع العام الحالي، والتي أدت، في حالة تونس ومصر بالذات، إلى تحولات سياسية استراتيجية مهمة، آثارها المباشرة وغير المباشرة مرشحة للظهور تباعاً يوماً بعد يوم .
إن المعنى الأهم الذي ظهر على سطح الأحداث العربية مؤخراً هو بالضبط ما أتحدث عنه، وهو الذي يتجسد في أن عصراً عربياً قديماً آخذ في التراجع إلى حدود الانهيار الكامل، وعصراً عربياً جديداً آخذ في التكون والنمو شيئاً فشيئاً .
الموضوع المشترك بين العصرين، المدبر والمقبل، هو الإرادة السياسية الحية للجماهير الشعبية العربية ودور هذه الحركة في تقرير المصير العربي، في كل دولة عربية على حدة، وفي الوطن العربي بأسره، هذا الدور كان غائباً غياباً كاملاً في العقود العربية الثلاثة المنصرمة، أي طوال ثلث قرن، بينما هذه الإرادة السياسية للجماهير العربية الشعبية آخذة مع رياح التغيير الآتية، في الظهور والتبلور، يوماً بعد يوم .
في هذا المجال بالذات يأتي حديثنا عن تأثر المجتمع الفلسطيني بما يجري مؤخراً في المنطقة العربية .
فالذي لا شك فيه، أن دور الجماهير الشعبية في فلسطين العربية، كان محدود الفعالية إزاء دور القيادات السياسية الفلسطينية المتعاقبة، منذ ظهور القضية الفلسطينية، وحتى يومنا هذا .
فإذا انتقلنا إلى المرحلة الراهنة من القضية الفلسطينية، فإننا نرى أنه منذ انتهاء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، تراجع الدور المباشر للجماهير الفلسطينية الشعبية، في مقابل اندفاع ldquo;إسرائيليrdquo; مجنون لتهويد ما تبقى من فلسطين المحتلة، وتصفية أصول القضية الفلسطينية تصفية تامة .
تنحدر الحالة الجماهيرية الفلسطينية إلى هذا الدرك، وسط تفاقم مفاعيل اتفاقيات أوسلو من جهة، وتفاقم مفاعيل الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس من جهة ثانية .
لقد آن الأوان لجماهير عرب فلسطين في الضفة الغربية وغزة، وحتى في فلسطين المحتلة، بالتبلور في حركة سياسية شعبية شبيهة بالحراك السياسي الذي قامت به الجماهير في كل من تونس ومصر، بشكل خاص، منتزعة زمام تقرير مصيرها من انظمة متهالكة لم تعد تمثل واحداً في المئة من الإرادة الشعبية .
إن حراكاً فلسطينياً شعبياً في هذا الاتجاه لا يبدو فقط قريباً، لكن باستطاعته من غير شك أن يعتمد على الحراك الشعبي الأخير في مصر بالذات، سنداً استراتيجياً له في مواجهة جموح ldquo;إسرائيلrdquo; نحو تصفية أصول القضية الفلسطينية، وفي مواجهة كارثة اتفاقيات أوسلو، وكارثة الانقسام بين فتح وحماس .
التعليقات