نادين البدير
فكرتان ترشقان بعضهما. من خلق التشدد؟ ومن التقط العدوى؟
الوهابيون السعوديون أم الإخوان المصريون؟
كثير من ليبراليي السعودية يرجعون فكرة التشدد السائد بالسعودية إلى مجيء الإخوان المسلمين المنبوذين من أنظمتهم العربية، للحياة في الجزيرة العربية، باستقبال سعودي يبدو أنه لم يخطط لتبعات ذلك الاحتضان. منحت الدولة هؤلاء الإخوان مناصب تعليمية وأكاديمية وإعلامية. منحوا الحق بالتحكم في أفكار الأجيال الناشئة والحق ببلورتها بحسب ميولهم الفكرية والدينية وكان منهم على سبيل المثال علي الطنطاوي وسيد قطب ومناع القطان وغيرهم كثير جدا.
ما حدث كنتيجة طبيعية. ظهور أجيال تحمل الفكر الإخواني وإن لم تحمل اسمه. أي أن المتشددين السعوديين يحملون فكرا إخوانياً تحت مسمى الوهابية، فيما الوهابية براء من التشدد والانغلاق.
مؤيدو هذا الرأي يدعمون رأيهم بحجة أن الوهابية كانت موجودة منذ أكثر من ثلاثمئة عام لكن رغم وجودها يجمع المجتمع أنه كان يعيش ماضيا منفتحا استمر حتى السبعينات سواء في العلاقات المعيشية أو العملية. التلفزيون الرسمي الذي سيطر عليه المد المنغلق لفترة طويلة كان بالستينات ينقل حفلات الطرب المصرية كما تجري بمبناه سهرات لفناني ذلك العهد (مسرح التلفزيون) تنقل على الهواء مباشرة
ولنعد لأوائل القرن العشريني لنعرف حجم التغيير الذي أصاب المجتمع السعودي؛ في التعليم عمل الإخوان القادمون إلى (أخونة) الرياضيات فأصبحت إسلامية والكيمياء إسلامية والعلوم إسلامية...الخ حتى الهندسة المعمارية لم تسلم من الفكر المتشدد. فالبيوت التي تقسم اليوم إلى مجالس وأدوار تفصل الجنس عن الآخر بطريقة فادحة، كانت في ما مضى تصمم بطريقة طبيعية تسهل من رؤية المرأة وتسهل على البشر قصص الحب التي تعتبر جزءا من تراث الجزيرة العربية... في أوائل القرن العشرين وما قبل خرجت المرأة دون غطاء على وجهها مكتفية بتغطية رأسها وإبراز جدائل شعرها الطويل على صدرها، لم يكن النظام المجتمعي والعائلي يمنعانها من الذهاب للحقل والبيع في السوق والمشاركة بالاقتصاد وخلال ذلك كانت تحكي مع الرجال وتخالطهم دون أن (تضبطها) هيئة الأمر بالمعروف متلبسة بالحديث مع رجال أغراب لتتهمها بالخلوة والزنا والمنكر.
طبعاً كل ما سبق صار حراما وكفرا وضلالا.
هل نقول إن المجتمع السعودي كان ليبرالياً؟
لا أقصد الليبرالية المتقدمة التي عاصرتها مصر قديماً، لكنها كانت ليبرالية فطرية تحكم العلاقات بين البشر آنذاك، فلم يكن هناك قاعدة تدفع الفرد للتفكير بجنس الإنسان أو ميوله الفكرية والدينية قبل الشروع بمحادثته. لقد تعلموا كل ذلك من هؤلاء القادمين المسعورين بحب السلطة وإقامة مجتمع (نحن) ضد (هم) في قراءة لسيد قطب المعلم الأكبر.
أتباع هذه النظرية يقولون: لنتخيل إن السعودية بعهد الملك فيصل لم تمر بمشروع مكافحة المد القومي واليساري واحتضان كل المدعين من الإخوان المسلمين من بلاد الشام ومصر الذين انتشروا كالفطر في بيئة فطرية مدعومة بثروة نفطية هائلة وبسذاجة سياسية... فما سيكون حالنا اليوم؟ لن يكون هناك مجتمع بهذه القسوة
أما من مصر فآراء مضادة تماماً، إذ كثير من ليبراليي مصر (ومنهم عدد من المفكرين استضفتهم ببرامجي) يعتقدون أن الطفرة النفطية التي حدثت في السعودية تسببت بانتقال أعداد هائلة من القوى العاملة المصرية للاستفادة من الحياة هناك... وحين عادوا للأراضي المصرية كانوا يرتدون الجلباب والعباءة والنقاب ويطلقون اللحى... مؤيدو هذه النظرة يؤكدون أن مصر كانت أكثر ليبرالية قبل أن يتم ذلك الاندماج مع المجتمع السعودي وأن الحاجة الاقتصادية أدت لتردي الحالة الفكرية والثقافية للشعب المصري، فالعائدون نقلوا الأفكار الدينية المتشددة للداخل المصري وكانت النتيجة ظهور أجيال مصرية مختلفة عن أجيال مصر ما قبل الطفرة السعودية. أجيال لديها قناعات كبيرة بأمور لم يكن أحد يأتي على ذكرها في مصر ويغلب على حديثهم الطابع المتشدد. وتحول أكثر بلد عربي ليبرالية وحرية وانفتاحاً لمعقل للفكر المتشدد وتحظى به جماعة الإخوان المسلمين بوجود قوي وحضور لا يستهان به ومر البلد الذي صدر الحرية للعالم العربي بفترات إرهابية عصيبة. كل الأشياء الجميلة اختفت لعقود بسبب ذلك الاستيراد السلفي الآتي من السعودية.
أتباع هذه النظرية يقولون: ليت مصر لم تمر بمرحلة مقاومة الشيوعية، وليتها لم تشهد الانفتاح الذي جلب لها التطرف والانحراف. بالنسبة لي... فسواء كان أصل التشدد السلفي إخوانا أو وهابيين، مصريين أو سعوديين. اليوم لا يهم الأصل. إيماني كبير بأن التشدد في البلدين كان صناعة سياسية. المهم أن هناك فرصة سانحة ليجتمع الليبراليون في مصر والسعودية على مسألة واحدة وهي تخليص مجتمعاتهم من الأفكار المنغلقة التي تسبب بها التشدد والتأخر الشنيع الناجم عن ذلك. الفرصة سانحة لأن الثورات العربية قام بها ليبراليون يؤمنون بأن الوطن للجميع. أكبر مثال ثورة مصر التي فاجأت العالم العربي بحقيقة وجود الليبرالية وبأنها لم تختف من المجتمع المصري كما ظننا بل هي التي حركت الشارع باتجاه الحرية. وهي باركت التقاء الأديان وأداء مختلف الصلوات تحت مظلتها في ميدان التحرير.
لا يجب أن ننشغل بأسباب التشدد وبالحديث الكثير عنه، كيلا نمنحه فرصة العبث من جديد. بل الأجدى أن يتركز انشغالنا حول الفكر المتحرر الذي أنجب ذلك الوئام والسلام بين المتظاهرين وأرجع الأوطان لأبنائها. هذا الفكر عليه أن يسود وأن ينتقل لبلدان أخرى يخجل فيها الليبرالي من التعبير عن نفسه خوفاً أو طمعاً برضا القنوات العليا مثلما هو الآن بالسعودية.
وكما انتقل الفكر السلفي بين البلدين. أمنيتي اليوم أن ينتقل الفكر الحر بينهما
أحلم أن يعرف الليبراليون في السعودية كيف يكون المرء جريئاً حراً حين يتعلق الأمر بمبادئه. مؤكد أنهم تابعوا جرأة شبان وشابات مصر، ومؤكد أنهم خجلوا اليوم من الضعف الذي يكاد يقضي على كرامتهم.
أحلم أن يصبح السؤال التنافسي المستقبلي السعيد: من أرجع الليبرالية للآخر؟ ومن حرر الآخر؟ المصريون أم السعوديون؟
ما رأيكم؟ أفيدوني.
- آخر تحديث :
التعليقات