مشاري الذايدي


في حكاية المرأة السعودية والعمل، هناك حقائق، وهناك آراء أو اجتهادات. من هذه الحقائق:

المرأة السعودية تمثل الآن نصف عدد الشعب السعودي. فحسب آخر إحصاء سكاني، بلغ عدد السعوديين - من إجمالي السكان في المملكة البالغ أكثر من 27 مليون نسمة ndash; ما يتجاوز 18 مليون نسمة، أو بشكل دقيق 18.707.576 نسمة، وبلغ عدد الذكور منهم 9.527.173 نسمة، أي ما نسبته 50.9 %، وبلغ عدد الإناث 9.180.403 نسمة، أي ما نسبته 49.1 %.

هذه حقيقة أولى، الحقيقة الثانية هي أن نسبة البطالة النسائية من مجمل رقم البطالة نسبة مزعجة. فحسب ما ذكر الكاتب ورجل الأعمال السعودي فهد الدغيثر في جريدة laquo;الوطنraquo; السعودية، فإن آخر الأرقام التي ذكرتها وزارة العمل السعودية تشير إلى أن البطالة بين الإناث بلغت 28 %، بينما لا تتجاوز 7 % بين الذكور، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه النسبة بين النساء تنمو بسرعة أكبر بسبب محدودية الفرص المتاحة للمرأة.

ثالثا: لا يوجد أحد معصوم، ولا رأي مقدس، مهما بلغت مكانة صاحبه - والإسلام لم يأت إلا رحمة للعالمين - وبحث موضوع البطالة والتوظيف وخطط التنمية هو من صميم أمور الدنيا، ونحن أعلم بأمور دنيانا، حسب التوجيه النبوي الشهير.

رابعا: لا يوجد أحد من رجال الدين أو المشايخ - حتى الأكثر صرامة وحدة - أفتى بشكل مطلق بحرمة laquo;الاختلاطraquo; بين الرجال والنساء. فحتى فتوى الشيخ عبد الرحمن البراك، الشهيرة لدى السعوديين قبل فترة قريبة، هاجمت الاختلاط laquo;المحرمraquo;، أي أن هناك اختلاطا غير محرم.

خامسا: مما يعرفه ويذكره جميع السعوديين، الذين أدركوا أسواق المدن والبلدات سابقا، هو أن النساء كن يبعن في العلن الحاجيات للجميع. ومن أمثلة ذلك، ما ذكره الأمين العام الثاني السابق لهيئة كبار العلماء الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ عن حل البيع والشراء للمرأة ndash; في جريدة laquo;الشرق الأوسطraquo; - أو ما ذكره في جريدة laquo;الجزيرةraquo; السعودية أن من عاش في مدينة الرياض في سنوات خلت يتذكر ولا ينسى ما كان فيها من حركة تجارية وأسواق تزخر بالكثير من الباعة رجالا ونساء، يعملون في اكتساب الرزق الحلال من خلال البيع والشراء ببساطة ويُسر، وكلٌّ على قدر ما يتيسر له من ثروة ورأسمال، في سوق laquo;المقيبرةraquo; وغيرها، ذلك الوقت الذي كان فيه كبار مشايخ الدين في السعودية، ولم ينكر أحد ذلك. وما زالت النساء يبعن في laquo;البسطاتraquo; العلنية، إلا إن كان الجو السجالي في السعودية قد أثر على حرارة بعض الفتاوى!

سادسا: من العسير تصور أن تكون المرأة التي تبيع على laquo;الكاشيرraquo; في الأسواق الكبرى عرضة لـlaquo;الاختلاط المحرمraquo; أو غير المحتشم، لأنها - ببساطة - على مرأى من أعين مئات الناس باستمرار، فضلا عن كاميرات المراقبة، وفضلا عن أن غالبية من حصلن على هذه الوظائف لم يأتين إلى العمل إلا بسبب الحاجة الماسة، فلا وقت لديهن لما سوى هذا.

هذه الحقائق، وغيرها، ليست اجتهادات، بل وقائع، نضعها أمام الذين أفتوا بشكل حازم وحاسم بحرمة عمل المرأة السعودية laquo;كاشيرraquo; في سوق ضخمة مفتوحة، دون مراعاة هذه الحقائق، أليس الدليل هو الأساس؟!