محمد السعيد ادريس

تواجه إيران ldquo;أزمة مصداقيةrdquo; هذه الأيام في خطابها السياسي بسبب ما سبق أن أبدته من حماسة زائدة دفاعاً عمّا أسمته ب ldquo;الثورة الديمقراطيةrdquo; في البحرين، وما أعلنته من إدانة قوية وصريحة لدخول قوات درع الجزيرة إلى هناك واعتبرته ldquo;احتلالاًrdquo; لهذا البلد، فيما دانت تحركات الشعب السوري ومطالبه العادلة من أجل الإصلاح .

كان أول رد فعل إيراني رسمي على أحداث سوريا ما جاء على لسان السفير الإيراني في دمشق أحمد الموسوي الذي شبه الاحتجاجات التي تجري في عدد من المدن السورية بأنها نسخة من ldquo;أجندة الفتنةrdquo; التي شهدتها طهران في يونيو/حزيران ،2009 عندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع احتجاجاً على تزوير الانتخابات الرئاسية وإعلان فوز الرئيس أحمدي نجاد بولاية ثانية على منافسيه الثلاثة البارزين: مير حسين موسوي ومهدي كروبي ومحسن رضائي .

الموقف نفسه جددته وزارة الخارجية الإيرانية على لسان المتحدث باسمها بعد عشرة أيام من توصيف السفير الإيراني في دمشق لأحداث سوريا على أنها ldquo;فتنة مدعومة من الخارجrdquo;، فقد اعتبر رامين مهمان برست المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، أن المظاهرات المناهضة للحكومة في سوريا تأتي في إطار ldquo;مؤامرة غربية لزعزعة حكومة تؤيد المقاومة في الشرق الأوسطrdquo;، كما رأى أن ما يحدث في سوريا ldquo;عمل شرير ينفذه الغربيون وخاصة الأمريكيين والصهاينةrdquo; .

هذه الازدواجية الإيرانية في توصيف المطالب الديمقراطية العادلة للشعوب التواقة إلى الإصلاح والعدالة والكرامة مرة بأنها مطالب عادلة ومشروعة، ومرة أخرى بأنها ldquo;فتنة مأجورة وعميلة للخارجrdquo;، من شأنها أن تفقد الخطاب السياسي الإيراني مصداقيته، وهذا بدوره يسيء إلى الدور الإيراني وعلاقات إيران الإقليمية .

الازدواجية نفسها حدثت عندما بادرت إيران إلى تأييد ثورة الشعب المصري ومن قبلها ثورة الشعب التونسي وإسقاط نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن علي، انحازت إيران للشعبين في تونس وفي مصر، لكن عندما حاول الإصلاحيون في إيران تنظيم مظاهرة كبرى في طهران تأييداً لثورة الشعب المصري واحتفالاً بانتصارها، تصدت لها السلطات الأمنية الإيرانية وحالت دون القيام بها، وجددت حديث الفتنة، وقامت بفرض الإقامة الجبرية على كل من موسوي وكروبي، وخرجت أصوات داخل البرلمان الإيراني (مجلس الشورى) وخارجه تطالب بمحاكمة قادة المعارضة .

عندما تتظاهر الشعوب في دول محكومة بنظم معادية لإيران أو صديقة للغرب، فإن مظاهراتها مشروعة من وجهة نظر إيران، أما إذا كانت التظاهرات في إيران أو في دولة صديقة لها، فإنها تظاهرات عميلة ومأجورة، وكأن الشعوب عليها أن تدفع أثمان سياسات من يحكمونها إن كانوا أصدقاء لإيران، أو تجني أثمان هذه السياسات إن كان الحكام أعداء لإيران أو أصدقاء لأمريكا .

إنكار حقوق الشعب السوري في الحرية والديمقراطية والعدالة والكرامة جريمة كبرى، كما أن أي مؤامرة على المقاومة جريمة أكبر، لكن كيف يمكن أن يكون المسعى نحو الحرية والإصلاح والعدالة والكرامة ضد خيار المقاومة، هل المقاومة هي الاستبداد أو مبرر للاستبداد؟

هل يمكن للشعوب المستعبدة أن تقاوم؟ فالمقاومة هي أعلى درجات امتلاك الحرية، أو هي أعلى درجات السعي للحصول على الحرية للوطن وللإنسان، فالفصل بين حرية الوطن وحرية الشعب فصل تعسفي .

انحياز إيران ضد الحرية والكرامة إساءة للمبادئ التي قامت من أجلها الثورة في إيران عندما أسقطت حكم الشاه، وأعلت من حق الشعب الإيراني في الحرية والعدالة والمساواة وإقامة نظام الحكم الذي يريد .