مرسى عطا الله

لا يمكن لأي قراءة موضوعية لمعطيات مشاهد الانتفاض والغضب والثورة التي تمتد علي طول وعرض العالم العربي تجاهل حزمة الأسباب والجذور المولدة للغضب من بينها ما يتعلق بتعاظم وطأة التحديات السياسية التي زادت حدتها في السنوات الأخيرة وأدت إلي تراجع الدور العربي في معادلة السياسة الدولية علي عكس ما كان متوقعا في أعقاب انتصار أكتوبر عام1973 عندما انتزع العالم العربي اعترافا عالميا به كقوة سادسة إلي جانب القوي الخمس الكبري.
لقد أحست الشعوب العربية بعدم قدرتها علي تحمل هذا التآكل في الموقف السياسي العربي علي المستويين الإقليمي والعالمي علي مدي السنوات الأخيرة بينما يستمر تدني الموقف الاقتصادي في معظم الدول العربية رغم الزيادات الرهيبة في أسعار البترول التي تحولت مداخيلها إلي أرصدة في البنوك الأجنبية بدلا من استثمارها في العالم العربي لدعم مشروعات التنمية وتحقيق حلم السوق العربية المشتركة.
ولعل من بين أهم الأسباب التي أسهمت في زيادة حدة الاحتقان عند كافة الشعوب العربية أن نزعات الزعامة الذاتية والشخصية أصابت كثيرا من قادة هذه الأمة وأدت إلي خلافات وخصومات بين الدول العربية لم تفلح معها كل محاولات تنقية الأجواء مما انعكس سلبا علي مجمل الموقف العربي العام إلي الحد الذي لم يعد هناك موقف عربي موحد تجاه أي قضية بما في ذلك القضية الفلسطينية التي ظلت لسنوات طويلة عنوانا لوحدة العالم العربي فأصبحت للأسف الشديد عنوانا لانقسام فلسطيني معيب ومدخلا لتعميق الخلاف والتشرذم العربي.
ويخطيء من يتصور أن صيحات المطالبة بالحرية والتغيير والعدالة الاجتماعية كنداء مشترك من المحيط إلي الخليج كانت بعيدة عن أحاسيس اليأس ومشاعر الإحباط من تقزم الدور العربي في الساحة الدولية إلي حد مهانة العجز عن مجرد رفع الصوت عاليا في وجه العربدة الإسرائيلية ونزعات الهيمنة الأمريكية التي تعضدت في الآونة الأخيرة بمحاولة بعث روح الاستعمار الأوروبي من جديد اعتمادا علي رخوة العالم العربي وتشرذمه وانقسامه بدرجة تفتح شهية الطامعين في الثروات العربية والطامعين في استعادة مناطق النفوذ القديمة.
والديمقراطية الحقيقية التي برزت كعنوان مشترك في كافة الثورات والانتفاضات العربية لا تكتمل في غيبة من الاستقلال السياسي الحقيقي المدعوم بقوة البناء الاقتصادي والاجتماعي بعيدا عن كل أشكال الهيمنة الأجنبية... وهذا هو أهم وأصعب التحديات التي تواجه زلزال الثورات العربية الراهنة.

خير الكلام:
lt;lt; بئس أمة تستسلم للجدل فتفقد روح العمل!