خالد الفرم


تشهد منطقة الشرق الأوسط تغييرات حادة في الوعي الاجتماعي والسلوك الجماهري، وهي تمظهرات حادة لم تشهد المنطقة مثيلا لها؛ منذ سقوط الدولة العثمانية، واستقلال البلاد العربية في القرن الماضي، كما أنها في الوقت ذاته متغيرات عميقة؛ ستلقي بتداعياتها على المنطقة بأسرها خلال السنوات المقبلة، وإن بنسب مختلفة، تتفاوت درجتها من مجتمع لآخر، وفق مسطرة تنفيذ الاستحقاقات التنموية والإصلاحات الضرورية، والقدرة على مواكبة التحولات الجارية في المنطقة، وهي تحولات قرن كامل؛ تجسدت أمامنا في أسابيع قصيرة.
ومع هذه التحديات اللافتة تبرز تساؤلات هامة وملحة حول مدى قدرة المنظومة الإعلامية العربية على مواجهتها وتحصين الدول العربية من العواقب والتداعيات السلبية لمتغيرات الحالة العربية المضطربة، وكيفية التعامل معها، لاسيما أن المحرك الرئيس لهذه الأحداث التي جرت في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، هم جمهور الشباب وليس الأحزاب أو الحركات الإسلامية، أو حتى الجيوش العربية.
والتحديات التي يشهدها الإعلام العربي في هذه الأزمات، كبيرة وواسعة، وتتعدد وجوهها وأشكالها، أبرزها ترهل معظم الأنظمة الإعلامية العربية وتضعضعها، أمام محركات الإعلام الجديد وتعدد مصادر المعلومات، وتنوعها، وسطوة الإعلام البديل، وشبكات التواصل الاجتماعي، ما يجعلنا أمام حالة أقرب إلى سيادة نظام إعلامي عالمي جديد، يقود الجماهير عبر أذرع إعلامية ضاربة على شبكة الإنترنت والهاتف الجوال لصياغة الرأي العام؛ بعيدا عن واقع الإعلام الرسمي العربي الذي لازال ــ نظريا ــ موجودا في الحياة السياسية والإعلامية، دون فاعلية واضحة، عند تقييمه وفق المقاييس المهنية المعتمدة (التأثير الاجتماعي ــ والانتشار الجماهيري) فأجهزة الإعلام الرسمية في العالم العربي، لازالت ترزح تحت تداعيات أزمة العقل السياسي العربي، مع الإصرار على تسويق وطرح خطاب مكرور تجاوزه الزمن والجمهور؛ أصبح غير قابل للتسويق الاجتماعي، وفي أوساط الشباب تحديدا.
وهنا تبرز أهمية تحديث الخطاب الإعلامي العربي من خلال تطوير مضامينه، بعيدا عن أحادية الفكر الواحد، وبما يستجيب ومتطلبات المرحلة، مع أهمية إعطاء دور فاعل ومؤثر لمؤسسات المجتمع المدني المرتبطة بقطاع الإعلام، وضرورة إيجاد مشروع وطني شامل (قضية) يلتف حولها الرأي العام (مشروع المستقبل) بحيث يحقق لكافة شرائح وقطاعات المجتمع المتباينة، مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة، والتغيير والتطوير المنشود، بمعنى أن الإعلام لا يصنعه الإعلاميون فقط، فهو انعكاس للحراك السياسي والثقافي والاجتماعي.