نسرين مراد

كشفت التطورات الأخيرة المثيرة للجدل، التي بدأت تجتاح العالم العربي، بلداً بلداً، حقيقة الإعلام العربي. بالذات حقيقة أن الإعلام العربي ليس مستقلاً، وليس إعلام الرأي والرأي الآخر، ولو بالحد الأدنى. إنه إعلام تابع يستخدم الرأي الآخر لدعم تحقيق أجندة مفروضة. الإعلام العربي أُجريت له عمليات ولادة وخلق وتجميل على الطريقة الغربية، ليحقق أهدافاً بحد ذاتها.

نسبة كبيرة من الذين يعملون على الجبهات والخطوط الإعلامية الأمامية، وفي البنية الخلفية والتحتية، من ذوي الجنسية المزدوجة، على الأقل، تلقوا تعليماً أو تدريباً غربيين؛ فيهما أُعجبوا، أو اغتروا، بمستوى اللياقة واللباقة والجرأة عند نظرائهم الغربيين. المحاكاة أو التقليد هي الصفة المميِّزة شبه المطلقة للإعلامي العربي.

ازدواجية الجنسية تعني الانفصام ودخول الشوائب، على الأقل! إلى الانتماء للثقافة والهوية والشخصية والحضارة الأصل أو الأم. يود الإعلامي العربي لو يصبح بطلاً شبيهاً بذلك الإعلامي الغربي الذي غطى حادثاً محلياً أو إقليمياً أو دولياً. بسهولة يتخلى الإعلامي العربي عن ارتباطه بأهله وأوطانه ومشاكلهم. يجري لاهثاً وراء سراب الشهرة وجني الأموال من الوطن الأم القديمة، وتحويلها إلى الوطن الأم الجديدة؛ يلهو ويلعب ويؤمّن مستقبله وأولاده هناك.

في العقود الثلاثة الماضية، بشكل خاص، خطا الإعلام العربي خطوات واسعة نحو إحراز البريق اللامع والتهور والنزوع إلى الفوضى. لم يساهم في إحداث أية تنمية بالخير تُذكر في الأوطان العربية. تذهب جهوده اتجاه توجيه عامة الناس إلى الكسب السريع، ومراقبة مؤشرات أسواق البورصات المختلفة. الزراعة التقليدية والحديثة تذهب أدراج الرياح، الصناعة التي لم تكن موجودةً أصلاً، تم وأد البذرة الأولى في تكوينها. الثروات المائية العربية مهددة بالنضوب، دون توجيه واع بالتصرف حيالها. تحول القطاع التجاري إلى متكل متواكل على واردات خارجية، تصفّي روح وجسد الاقتصاد الوطني. الجهاز التربوي التعليمي ليس بأحسن حظ.

كما كان الحال في العراق، يتسابق رواد الإعلام العربي مع نظرائهم الغربيين في تصوير مدى نجاعة الضربات الأطلسية على الجيوش العربية، يتباهون في تصويرهم دقة إصابة قذيفة أطلسية لموقع عسكري يحوي دبابة أو طائرة قتالية. يستقدمون محللين عسكريين، بارزين! يستخدمون وسائل توضيح مستوردة، لتوضيح ما يجري على الأرض، يطمئنون الجماهير العربية بقرب انتصار الحلفاء لا محالة. يذهب الإعلام العربي أبعد من ذلك، حين يصور جنوداً مقاومين للغزو مستسلمين. يتفاخر بإنجازه باسم دعم ثورات التغيير والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

لا أحد يأسف على مصائر أنظمة دكتاتورية أرادت شعوبها أن تتخلص منها؛ خاصة إذا كانت تحلم بتوريث دكتاتورياتها لأجيال قادمة. لكن الغرب عموماً، وأمريكا خصوصاً، أبعد ما يكون عن أن يهدف إلى تحرير الشعوب من قبضات حكامها. الغرب يريد نشر فتوحاته الحديثة في اتجاه العالم العربي. الغرب يطمع في الاستيلاء على الأوطان العربية مثل كعكات ديمغرافية ثقافية اقتصادية.

الطريق إلى تقويم اعوجاج وتشوهات الإعلام العربي طويل ومعقد، إن لم يكن مستحيلاً. على مدى العقود الماضية من السنين، تم ربط الإعلام العربي بالأجندات الخارجية. تم ذلك بالطرق السلسة الطبيعية تارة، وبالقوة واستعمال الضغوط والتهديدات والمغريات أحياناً أخرى. بطريقة سلسة فقد الإعلاميون العرب حريتهم وزمام الأمور في مخاطبة الشخصية والوجدان العربي الحقيقي الأصيل. بقوا أسرى وراء التقليد في كل شيء؛ من الترتيب والإعداد إلى الإخراج والتنفيذ، وحتى في مجال الديكور وترتيب الإكسسوارات.

من تحت سُحب وغيوم الإعلام العربي، تضيع الأوطان العربية، الواحد تلو الآخر. تُقطَّع وتُقسَّم وتُجزَّأ الأرجاء العربية، في خطوة أولى للقضاء على الأمة برمتها.

مقابل ماذا؟! لا شيء سوى تحويل الشعوب العربية إلى أسواق للمنتجات الخارجية.

بقي الإعلامي العربي المفصوم ينعق بصوت عال، ويتصرف كما لو كان بطلاً منتصراً، فوق بقايا أشلاء شعوبه. في حين أن هناك جسماً عربياً منهَكاً بالحصار، وتنال من عزيمته وإرادته، وجبهته الداخلية، الأنظمة الجائرة المستبدة.