أحمد الجارالله

فات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد, في خطاباته الأخيرة, أن ثقافة المذهبية التي تفتك بالنسيج الاجتماعي العربي, والخليجي منه خصوصاً, لم تكن موجودة قبل شعار quot;تصدير الثورة الإسلامية الإيرانيةquot; الذي رفعه نظام الملالي في العام 1979 حين أطيح بالشاه, واستناداً إلى هذه الحقيقة فإن إيران هي من يؤسس للفتنة السنية- الشيعية, التي يحذر منها الرئيس نجاد, وحتى إذا سلمنا جدلاً أن من يسميه quot;العالم الاستكباريquot; أو quot;الشياطينquot; حسب رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني يدفع بهذا الاتجاه, أليس على الدولة التي تدعي أنها المدافع الأول عن الإسلام والمسلمين والمستضعفين في العالم, أن تفوت الفرصة على هذا quot;العالم الاستكباريquot; أو quot;الشياطينquot; وتحبط مؤامراته أقله في إيران عبر منح السنة والعرب الاحوازيين حقوقهم الكاملة, وأقل القليل في ذلك حرية بناء المساجد والصلاة فيها بحرية, والكف عن الخطاب المذهبي التحريضي مع دول الجوار?
لا يمكن للرئيس محمود أحمدي نجاد ومعه لاريجاني ونظام الملالي كله جعل المنطقة رهينة المشروع التوسعي الفارسي تحت أي شعار, لا في quot;تصدير الثورةquot; الساقط منذ بدايات رفعه, رغم كل الشحن المذهبي الذي رافقه, ولا في غيره من الشعارات, لأن أول من تصدى له هم الشيعة العرب الذين يدركون حقيقة الأطماع الإيرانية, بدءاً من السعي إلى تشويه مذهب آل البيت, وانتهاءً بالسعي الدائم إلى فرض قم كمقر للمرجعية الشيعية وإقصاء النجف عن دورها التاريخي الذي اضطلعت به منذ 1300 عام, لهذا لن يستبدل الشيعة العرب بالأعلى الأدنى, أو يختاروا النموذج الإيراني لأنهم في مجتمعاتهم العربية يعيشون حياة حرة كريمة تواكب العصر, فيما الشعب الإيراني محكوم بالحديد والنار, وبالتالي فهم لن يتخلوا عما هم عليه للالتحاق بدولة خائبة, إلا من كان منهم يعاني من عقدة الاضطهاد والمظلومية, وهؤلاء قلة قليلة لا يعول عليهم.
ينسى نجاد ونظامه أن هناك وزراء ونوابا وسفراء وأصحاب مناصب رفيعة من الشيعة في كل دول مجلس التعاون, ولم تنظر دولهم إلى أصولهم أو مذهبهم لأن شرط الكفاءة هو الأساس, ويتمتعون بكامل حقوقهم من دون أي نقصان, بينما المفكر جلال الدين الفارسي لم يسمح له بالترشح لرئاسة الجمهورية في إيران لأن أمه من أصول عربية, ولم تولَّ أي شخصية سنية وزارة أو وظيفة من الدرجة الأولى في النظام الإيراني طوال العقود الثلاثة الماضية, فقط بسبب الانتماء المذهبي, فهل ينكر نجاد ونظامه حقيقة وجود شخصيات مفكرة ومرموقة في العالم من السنة الإيرانيين? وهل في ذلك شيء من عدالة الاسلام?
ليطمئن نجاد أن الفتنة ستُحبَط هذه المرة كما أحبطت غيرها من الفتن الإيرانية, ولن يكون الشيعة العرب أدوات لنظام طهران في مشروعه التوسعي, وعليه ألا ينتشي كثيراً من هيمنة quot;حزب اللهquot; في لبنان بقوة السلاح على الدولة, ولا بحفنة من الحوثيين ارتموا بأحضان طهران, ولا حتى بالجماعات العراقية المرتهنة لحرسه الثوري, لأن كل ذلك يساهم في دق المسامير بنعش النظام الإيراني ومشروعه ويكشف مدى تدخله في الشؤون الداخلية للدول العربية.
لهذا ليس لتحذيرات نجاد من حرب عربية - إيرانية, غير معنى واحد وهو أن طهران خلعت قفاز الحرير وأظهرت سكين الغدر والعنصرية بتهديد العرب بالحرب, وهنا نسأل: مَنْ عليه أن يحذر مَنْ?! دول الخليج العربي التي أغرقتها إيران بشبكات التجسس وبالخلايا الإرهابية النائمة, والشحن الإعلامي الفتنوي, أم إيران التي تعسكر كل شيء حتى الماء والهواء?!