حياة الحويك عطية

ldquo;إذا كان جارك بخير أنت بخيرrdquo;، أن يخرج وزيران مسيحيان يمثلان خطين لبنانيين بهذه المقولة على شاشات التلفزيون، وهما يعنيان سوريا، لأمر يدل على إحساس بالخطر من تطورات الأحداث الجارية على الساحة السورية فثمة شيء يتفق عليه الجميع: ما يحدث في سوريا ستكون له انعكاساته على لبنان، ولكن كيفية التعاطي مع هذا الذي سيحدث يختلف من طرف إلى آخر . كذلك فإن المقولة الأصح إن ما سيحدث ستكون له انعكاساته على المنطقة كلها وليس على لبنان وحده . أولا لأنها الجغرافيا التي لا يمكن لأي طرف وفي أي تاريخ الالتفاف عليها أو تجاهلها، وثانياً لأن التيارات التي تتصارع في واقع الأمر على الأرض هي نفسها في مختلف الساحات العربية، مع اختلافات طفيفة .

وكيف لنا أن نتصور الوضع العربي إذا ما امتدت الفوضى على الطريقة العراقية من البصرة إلى بيروت؟ أو بالأحرى إلى طرابلس؟

وإذا كان استمرار الحال من المحال، بمعنى أن استمرار الأحكام العرفية وعدم الاعتراف بالحريات وبالأحزاب، لا يصب في منطق التاريخ ولا في منطق التحولات العالمية منذ انهيار الكتلة السوفييتية، فإن العبور إلى دولة القانون، ومجتمع الديمقراطية والانفتاح، لا يمكن أن يعني الانفلات الأمني والاستخفاف بمصير الأمن الوطني . كما أن مقاومة القمع لا تكون بالعنف، والدليل الأمثل التغيير في تونس بالمقارنة مع التغيير في ليبيا . علماً بأنه لا حدود مع ldquo;إسرائيلrdquo; ولا احتلال لأراض (حتى الآن) لا في تونس ولا في ليبيا .

من جهة ثانية لا يمكن أن ينسجم منطق درء الخطر مع منطق تثبيت الخطاب الطائفي أو المذهبي، على أية ساحة من الساحات العربية، علماً بأن هذا التثبيت هو ما يحصل كأسوأ ما عرفناه في تاريخنا . فهل يدرك المسؤولون وقادة الرأي من مفكرين وكتاب ومربين وفنانين مأساة الوضع الذي وصلنا إليه، بحيث أصبحت الصفة الطائفية الملحقة بالاسم أهم من الاسم نفسه؟ وضع لا ينطبق بأي حال على منطق ما يسمى ldquo;ثورةrdquo; في مصطلح علمي الاجتماع والسياسة .

لم تكن تونس بقادرة على تقديم شيء في هذا المجال، لأن التعددية الدينية والمذهبية غير موجودة في تركيبتها السكانية، في حين أن مصر قدمت نموذجاً إيجابياً حين صلى المسلمون والمسيحيون في ساحة التحرير، كل منهما بحماية الآخر .

غير أن الخطورة الكبرى تظل كامنة في منطقة ما بين النهرين وبلاد الشام، ففي الأولى كان الفشل الذريع لمفهوم المواطنة على سكين الفرقة الدينية والمذهبية، سكين ذبح به الوطن ومئات الآلاف من أبنائه، وكان مسيحيوه هم الضحية الكبرى، لأنهم استئصلوا منه .

وبعملية حسابية بسيطة، لم يبق في رصيدنا إلا بلاد الشام، بدولها المعروفة، وهي المرشحة انطلاقاً من سوريا، إما لأتون التطرف والاقتتال والعنف، وإما لتجاوز النار وإرساء مفهوم الدولة، وإقرار خيار الأفراد بحرية، وذلك ما لا تحله المحاصصة الطائفية على الطريقة اللبنانية، لأنها تحول البلد إلى مزرعة لزعماء الطوائف، فإذا بالدولة مستحيلة، وبخيار الفرد مستحيل، لأنه لا يصبح، والحال هذه، إلا رقماً في طائفته أو مذهبه .

من هنا تكون الاصلاحات التي أعلنت عنها القيادة السورية، خطوة كبيرة على الطريق الصحيح، شرط أن يتم تنفيذها عملياً، كذلك يكون استمرار ضغط الشارع لحصول ذلك، خطوة صحيحة إذا ما التزمت الأصول السلمية للتظاهر والتعبير وإلا فإن العنف سيكون طريقاً لسيادة جماعات يشكل عنفها خطراً على سوريا وعلى لبنان وعلى سائر دول المنطقة، كما يشكل حائطاً ذا كوى كثيرة ينفذ منها المندسون والمخربون .

نحن جميعاً بحاجة إلى بقاء نظام علماني في سوريا، ولكننا بحاجة له متطوراً، حديثاً، مقراً بالحريات العامة والحقوق، حقوق الانسان وحقوق المواطن . ولن نكون من السذاجة بمكان لنقول إن ذلك يتحقق بمسحة رسول، فهي مسألة تربوية إعلامية ثقافية اقتصادية وسياسية، لكنها تبدأ بالقوانين .