محمد عبادي

يستعد رئيس الوزراء الإسرائيلي لزيارة واشنطن الشهر المقبل، وبالتأكيد ستكون التغيرات الكبيرة في العالم العربي -وتحديدا الثورة المصرية التي أتت على نظام حليف قدم خدمات كبيرة خاصة فيما يعرف بمسلسل السلام في الشرق الأوسط وحصار غزة على وجه الخصوص، وتداعيات ذلك على مستقبل الكيان الإسرائيلي في المنطقة العربية- في صلب المحادثات مع المسؤولين الأميركيين.
لكن لا توجد مؤشرات على أنه استوعب التغييرات الحاصلة في المنطقة، من خلال تصريحاته مؤخراً التي اعتبر فيها أن الثورات الشعبية العربية من شأنها أن تجعل السلام الإسرائيلي-الفلسطيني أصعب وأن تشكل تهديدا للسلام، وهذا يدل على أحد أمور ثلاثة: إما أنه خارج التاريخ أو أنه وكيانه مصدوم ولم يستوعب الحراك الشعبي العربي في زخمه وتسارع وتيرته ونتيجته في تونس ومصر وتفاعلاته في ليبيا واليمن وتداعيات ذلك على بلدان عربية أخرى، أو أنه اختار الهروب للأمام والظهور بمظهر القوي والاستمرار في إملاء الشروط على الفلسطينيين بالتأكيد في مقابلة صحافية على أنه لن يتراجع عن مطلب الاعتراف بإسرائيل كأمة للشعب اليهودي باعتباره مقدمة لطرح مبادرة سلام وأكثر أهمية من مسألة الاستيطان.
والحاصل أن الربيع الديمقراطي في العالم العربي، على عكس ما يعتقد نتنياهو لا يشكل خطراً على السلام في الشرق الأوسط، بل سيدفع في اتجاه تصحيح مساره وإعادة النظر في المنطق الذي يحكمه من منطق الإملاء والفرض إلى منطق التفاوض الحقيقي على أسس واضحة وقواعد معقولة ولأجل أهداف تعبر عن إرادة الشعب الفلسطيني والعربي.
وبالتالي فإن الأمر لم يعد مسألة شروط إسرائيلية تقبل أو ترفض بل الأصل أن يعاد النظر في المسار برمته كما سلف في اتجاه يحقق العدل والإنصاف، ويعيد الاعتبار للمواثيق والقوانين الدولية ولقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة التي داستها إسرائيل، والتعامل مع الفلسطينيين كأصحاب حق.
أما الاستمرار في المسرحية القديمة بنفس الإخراج وطرح شروط معجزة ومجحفة للاستمرار في العدوانية وسرقة البلاد والعباد، فلم يعد ممكناً فالكل يعرف أن إسرائيل تطرح الشروط المعجزة للاستمرار في غيها وعربدتها، والكل يعرف أن الاعتراف بيهودية إسرائيل، تعني باختصار هدماً لكل نضالات الشعب الفلسطيني منذ بداية الاحتلال، ومسحاً لصفحات الماضي واستهتارا إن لم يكن استهانة بدم وأرواح الشهداء، واستفزازا واضحا للأمة الإسلامية، فضلا عن تهديد مصير أكثر من مليون نسمة ممن يعرفون بعرب إسرائيل.
الأصل أن الفترة الحالية في الوطن العربي خلقت سياقا جديدا وبيئة جديدة لم يعد ينفع معها التعنت الإسرائيلي، لأنها بصدد صياغة نظام حكم جديد في مصر كبلد عربي له ثقل كبير في الملف الفلسطيني بحكم التاريخ والجوار، لا يمكن في كل الأحوال أن يسقط في أخطاء نظام مبارك ولا أن ينهج الأسلوب الاستفزازي والانبطاحي في التعامل مع إسرائيل ومن يدعمها لأن الثورة غيرت المعادلة.
رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، يسعى لتغطية شمس هذه الحقيقة المرعبة له بتداعياتها وأبرزها قرار الحكومة المصرية المؤقتة بإعادة النظر في سعر الغاز المصدر لإسرائيل، وذلك بالزعم أن الربيع العربي قد يتحول إلى شتاء إيراني، وتلاعب إيران بالانتفاضات المؤيدة للديمقراطية في العالم العربي في اتجاه يخدم توجهها، وهذا الزعم بقدر ما يعكس تفاهة الطريقة التي ينظر بها نتنياهو للعرب واستهانته برغبة الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية، يبرهن درجة الخوف الإسرائيلي من الربيع العربي الذي قد يعجل بخريف المشروع الصهيوني ومحاصرته.
كل العالم تابع كيف لم يقبل الثوار في مصر وتونس تصريحات زعماء إيران وطريقة توصيفهم لثورتهم ورفضوا إعطاءها طابعا دينيا وطائفيا أو أمميا، وتأكيدهم على أن ثورتهم كانت لأجل الديمقراطية والكرامة والحرية والمواطنة، ومن غير المجدي نهائيا أن يوظف نتنياهو إيران في هذا السياق لأنها لم تكن نموذجا للمصريين والتونسيين ولا حتى لليمنيين والليبيين، لأن الكل تابع وشاهد كيف أن الثوار في تونس ومصر والآن في اليمن وليبيا لم يرفعوا شعارات دينية أو طائفية، ولم يرفعوا شعارات دينية أو معادية للغرب ولم يحرقوا أعلاما أجنبية، لأن هدفهم كان واضحا وعليه تركزت الشعارات، وهو ما أحرج الغرب وجعله مرتبكا قبل أن يرفع يده تاركا مبارك يواجه مصيره مع المصريين، وعاجزا عن حمايته، لأن ذلك يعني الوقوف ضد إرادة الشعوب المعبر عنها بشكل سلمي وحضاري.
باختصار، المفروض أن يدفع ربيع الديمقراطية العربي إسرائيل لإعادة النظر في تعاملها مع الحقوق الفلسطينية وتعاملها بفلسطين المحتلة لأنها أمام مرحلة جديدة لم تعد تواجه أنظمة يمكن أن تضغط عليها كما تشاء، بل هناك لاعب جديد لن يسمح لها بتقديم التنازلات والتصرف بتقديراتها الخاصة، هو الشارع والاحتجاجات السلمية.
إسرائيل لم تعد اليوم أمام نظام مبارك الذي يمكنها أن تضغط عليه لأنه لا يمثل إلا نفسه، بل أمام شارع مصري قال كلمته وسيقولها في الانتخابات المقبلة لانتخاب حكومة ورئيس يعبر عن إرادته، ورغم تأخر الاستجابة لرياح التغيير في فلسطين من حيث عدم المسارعة لوحدة الصف والانطلاق للإعداد لمرحلة جديدة والتهيئة لانتخابات، إلا أنها قادمة سواء بالاختيار أو الاضطرار، لأن الفلسطينيين لن ينتظروا كثيرا، وبالتأكيد سيتحركون لفرض وحدة الصف لأنه الكفيل بالدفع في اتجاه إعادة النظر في طبيعة ما يعرف بمسلسل السلام ومنهجيته، خاصة أن هناك رأيا عاما دوليا تشكل في الغرب مناهضا للعنجهية الإسرائيلية بعد عدوان غزة والهجوم على أسطول الحرية، حالت الفرقة الفلسطينية وموقف النظام العربي الرسمي الضعيف دون الحفاظ على زخمه واستثماره في الضغط على إسرائيل.
لكن رياح الديمقراطية من شأنها أن تحيي هذا التضامن الغربي خاصة بعدما تابع الرأي العام الغربي الثورة في تونس ومصر ولم يجد الإنسان العربي كما يصوره الإعلام المتصهين بأنه عالم يصدر العدوانية والإرهاب والتشدد والتطرف بل إنسان متسامح، محب للحرية والديمقراطية، ويحتج بشكل سلمي وحضاري، منفتح لا يعادي الغرب حضاريا وإنسانيا.