محمد نعمان جلال

أدوار الدول على الساحة الدولية تؤخذ ولا تعطى إنها تؤخذ من مقوماتها البشرية والطبيعية والجيوبوليتيكية ومن رؤية نخبها وقياداتها السياسية والفكرية ومصر من الدول التي‮ ‬أخذت دورها بقوة عبر العصور منذ رمسيس الثاني‮ ‬وحتى جمال عبد الناصر،‮ ‬ولهذا احترمها العالم وقدرتها شعوب أمتها العربية والإسلامية ولكن للأسف تراجع هذا الدور في‮ ‬السنوات الأخيرة وأصبح قادة مصر‮ ‬يزورون الدول الأجنبية بما فيها الدول العربية بحثاً‮ ‬عن المعونات والمساعدات والقروض وللأسف لا تذهب للخزينة المصرية‮.‬ زيارة الدكتورعصام شرف أول رئيس وزراء مصر في‮ ‬عهد ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير باختيار هذه الثورة وبثقتها فيه،‮ ‬هذه الزيارة لبعض دول الخليج أثارت الكثير من الشجون؛ هل ما تسعي‮ ‬إليه مصر هو القروض والمنح والمساعدات المالية ومن ثم اقتصار هذه الزيارة على الدول الخليجية الغنية؟ أم ما تسعى إليه مصر هو استعادة دورها العربي‮ ‬والإقليمي‮ ‬والدولي‮ ‬في‮ ‬ظل التحديات التي‮ ‬تواجه دول المنطقة وفي‮ ‬مقدمتها دول الخليج العربية والأمن القومي‮ ‬العربي‮ ‬والأمن العربي‮ ‬الخليجي؟ هذا السؤال مطروح بقوة وبإلحاح على دوائر صنع القرار في‮ ‬دول الخليج العربية بلا استثناء،‮ ‬وجولة الدكتور عصام شرف مطالبة بتقديم إجابة مقنعة في‮ ‬هذا الصدد لشعب مصر أولاً‮ ‬ولشعوب أمتها العربية ثانياً‮ ‬وطبيعة هذه الإجابة سوف تنعكس على نظرة العالم لمصر في‮ ‬ظل ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮.‬ أولاً‮ ‬لابد أن أشير إلى ثلاث حقائق أراها ضرورية لمن لديه صنع القرار في‮ ‬مصر وفي‮ ‬الدول الخليجية؛ الحقيقة الأولى أن مصر دولة‮ ‬غنية بثرواتها الطبيعية والبشرية وبعلومها وتكنولوجيتها وكانت دائنة لبريطانيا العظمى حتى عام‮ ‬1954‮ ‬وكانت العملة المصرية من أقوى العملات،‮ ‬لكن ما تعرضت له مصر من نهب منظم عبر عقود وما تعرضت له من سوء إدارة وسوء تنظيم هو الذي‮ ‬أدى إلى تراجع مكانتها العلمية والاقتصادية ومن ثم السياسية فأصبح قادتها‮ ‬يقومون بجولات خليجية وأوربية وأمريكية بحثاً‮ ‬عن المنح والمساعدات والقروض،‮ ‬وللأسف تحولت معظم تلك المنح والمساعدات لحساب أشخاص وليس إلى ميزانية مصر التي‮ ‬كان عليها أن تدفع الضريبة من كرامتها واقتصادها ومكانتها السياسية‮.‬ الحقيقة الثانية أن مصر أكبر وأهم كدولة وكشعب من أن‮ ‬يتحول قادتها ووزراؤها الجدد في‮ ‬عهد ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير للممارسات التي‮ ‬قام بها قادة عفى عليهم الزمن لقصورهم الفكري‮ ‬أو لخراب ذممهم أو لعدم إدراكهم لقيمة وطنهم وشعبهم الذي‮ ‬يصنع الحضارة العلمية ويحقق أعلى مراتب الإنتاج في‮ ‬مختلف دول العالم وليس في‮ ‬مصر التي‮ ‬أصبحت طاردة للكفاءات‮. ‬ومن ثم فإن مصر ليست في‮ ‬حاجة لمثل تلك المنح والمساعدات ولقد أثبتت الكثير من الدراسات أن المنح والمساعدات الأمريكية تفيد الولايات المتحدة أكثر مما تفيد مصر‮. ‬إن مصر في‮ ‬حاجة لإصلاح بنيتها الإدارية والقانونية والتنظيمية ولمحاربة الفساد الذي‮ ‬يتحدث عنه القاصي‮ ‬والداني‮ ‬والذي‮ ‬تكشفت بعض أبعاده المذهلة بعد ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير‮.‬ الحقيقة الثالثة أن دول الخليج العربية تنظر باحترام وتقدير لمصر ودورها التاريخي‮ ‬عبر العقود وتتطلع لاستئناف مصر لمسيرتها في‮ ‬حماية الأمن القومي‮ ‬العربي‮ ‬وفي‮ ‬مقدمته أمن دول الخليج الذي‮ ‬يواجه تحديات جمة في‮ ‬هذه المرحلة،‮ ‬وهي‮ ‬في‮ ‬مقابل ذلك على استعداد للوقوف إلى جانب مصر بقوة في‮ ‬هذه المرحلة الانتقالية لاستعادة قوتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية ومكانتها العلمية والثقافية‮. ‬ولاستعادة هذا الدور لمصرالكنانة قلب العروبة لابد أن تكون لها رؤية استراتيجية تتحرك في‮ ‬إطارها وليس مجرد ساعية للحصول على القروض،‮ ‬فأبواب الدول للحصول على القروض كثيرة ولكنها لا تصنع مكانة لدولة مثل مصر ساهمت في‮ ‬إرساء المكانة العربية منذ الأربعينيات بل وقبلها عبر القرون الماضية في‮ ‬مواجهة الغزاة والطامعين من التتار إلى الصليبيين إلى الاستعمار الحديث وأحلافه العسكرية‮.‬ المطلوب من الدكتور عصام شرف أن‮ ‬يقدم هذه الرؤية قبل أي‮ ‬شيء في‮ ‬مباحثاته مع القادة في‮ ‬دول الخليج التي‮ ‬سيزورها وعليه أيضاً‮ ‬أن‮ ‬يزور باقي‮ ‬دول مجلس التعاون وتاريخها وعلاقاتها بمصر معروف،‮ ‬فالبحرين تتذكر أن مصر أول من قدمت لها المدرسين منذ عشرينيات القرن الماضي‮ ‬وكانت مدينة المحرق وما تزال هي‮ ‬قلب العروبة في‮ ‬الخليج العربي،‮ ‬وسلطنة عمان كانت الدولة العربية بالإضافة للسودان التي‮ ‬لم تقطع علاقاتها بمصر نتيجة معاهدة السلام رغم ضغوط المتطرفين دعاة الصمود بالكلام والخطابة،‮ ‬وكانت سباقة لرأب الصدع مع مصر وغيرها من دول المنطقة‮. ‬بالطبع لن أتحدث عن الدول الأربع الأخرى لأنها مشمولة بالزيارة‮. ‬ لقد كتب المفكر الخليجي‮ ‬البارز الدكتور محمد‮ ‬غانم الرميحي‮ ‬كتاباً‮ ‬مهماً‮ ‬بعنوان‮ ''‬الخليج ليس نفطاً‮''‬،‮ ‬وأنا أقول إن الخليج ليس فقط أموالاً‮ ‬لكنه بشر لهم قدرهم ومكانتهم وحققت نخبهم أرقى مستويات التعليم وحققت خبرة في‮ ‬الإدارة وحنكة في‮ ‬إدارة الأزمات خاصة في‮ ‬مملكة البحرين،‮ ‬من هنا‮ ‬ينبغي‮ ‬إن تدرك مصر الجديدة ما هو الخليج الحديث إن دول الخليج في‮ ‬حاجة لأن تسمع من مصر‮ ‬رؤيتها الاستراتيجية لأمن الخليج بطريقة عملية وملموسة وصريحة،‮ ‬وما هي‮ ‬التحديات التي‮ ‬تواجهه وما‮ ‬ينتظره من مصر وعندئذ سوف تتدفق أمواله ومساعداته لمصر دون أن‮ ‬يحتاج رئيس وزراء مصر للقيام بزيارة أو إجراء مباحثات‮ ‬يتحدث فيها عن مشاكل مصر الاقتصادية‮ ‬فدول الخليج العربية بما لديها من أصالة وشهامة عربية سوف تبادر من تلقاء ذاتها وسوف تجد مصر من الدول الخليجية كل التعاون معها والأخذ بيدها في‮ ‬أزماتها الراهنة المؤقتة