أحمد الجارالله

يبدو ان الانظمة الديكتاتورية تقرأ في الكتاب نفسه, ولذلك تسقط دائما في الامتحان, فما ساقته القيادة السورية من أطروحات لتبرير غزو جيشها بالدبابات مدينة درعا وقتل مواطنيها العزل من السلاح, لا يختلف كثيرا عما ساقه معمر القذافي من تبريرات حين حاصر ودك المدن الليبية التي خرج سكانها في تظاهرات طلبا للحرية, وأولغ في دم الابرياء حتى ضج العالم استنكارا, ولم يطق صبرا على تلك المجازر فتدخل لحماية المدنيين.
اخترع النظام السوري عدوا له أسماه السلفيين وادعى دعم دول قريبة وبعيدة لهم زاعما سعيهم الى إقامة إمارات اسلامية في المدن التي ارتكبت فيها, قواته الامنية ولا تزال,المجازر في المتظاهرين العزل الا من صوت الحق المطالب بالحرية, واعتقد هذا النظام ان التبريرات الواهية ستقنع العالم, وتحصنه ضد ارتكاباته في درعا ودوما وبانياس وجبلة وحمص وباقي المدن السورية, إذ ليس مهما ان يقتل مئات الأشخاص, ويجرح الالاف, وتقطع أرزاق الناس...
نعم ليس مهما ان يتنفس الناس الحرية او ان يعترضوا على أمر خطأ او يشكوا من فساد وقهر وإذلال, كما ليس مهما ان يسكنهم الخوف وتعقد ألسنتهم, ويمنعوا حتى من التفكير, المهم أن تبقى تركيبة النظام كما هي, ويبقى شعار الممانعة مرفوعا لستر الفساد والانسياق للرغبات الايرانية. لكن الناس يسألون: عن اي ممانعة ومقاومة واحباط للمخططات الغربية والاميركية والاسرائيلية يتحدث هذا النظام? وأين هي المؤامرات التي تحاك ضده وهو الذي خرج شعبه عليه للمطالبة بأبسط الحقوق, كحرية الرأي والتعبير والشعور بالأمن ووقف الاعتقال التعسفي من دون أي سبب? هل مئات الالاف من السوريين الذين يتظاهرون في المدن السورية كلهم متآمرون على النظام الممانع? وهل كلهم مندسون ومأجورون يعملون لمصلحة دول تمدهم بالسلاح والمال من أجل إضعاف النظام?
هذا الخطاب بات من الماضي وانتهت صلاحيته, ولن يمنع القتل والبطش الناس من الاستمرار في المطالبة بحقوقهم, لأنهم كسروا حاجز الخوف, ولهذا على القيادة السورية ان تعتبر مما حدث في تونس ومصر وليبيا, وتصدق حقيقة ان نظامها ليس محصنا ضد الحراك الشعبي, وعليها ان تصغي لشعبها في مطالبه, وتتخلص من تبريراتها التي تسمح لقواها الأمنية بقتل الناس.
نعم هناك دول عربية ليست مرتاحة لمسار السياسة الخارجية السورية التي فتحت أبواب عاصمة الامويين أمام الفرس, وقدمت لبنان هدية لايران,وهي وقفت في صف الشعب السوري بعواطفها فقط, و لم ترسل الاسلحة او المال الى المحتجين كما يحاول الاعلام السوري الرسمي الترويج.
لقد كانت الفرصة مواتية أمام القيادة السورية لتلبية مطالب شعبها بأقل الخسائر, وان تصلح ما أفسدته سياستها الداخلية والخارجية,بل إنها كانت قادرة على إطالة عمر النظام بالاصلاح وترك الأمر للناس في اختيار من يريدون ان يحكمهم, الا ان اللجوء الى القمع الدموي الوحشي, قلب كل الموازين, وجرد النظام من ورقة توت الاصلاحات التي ستر بها طويلا عورة السياسات الخاطئة, وربما لم يفت وقت تصحيح المسار بعد, داخليا او خارجيا, وهو ما يجمع عليه السوريون الذين بدأ العالم يصغي الى صرخاتهم, ويبحث في الاجراءات الكفيلة بحمايتهم من بطش القوى الأمنية, فهل يدرك نظام دمشق هذه الحقيقة قبل ان يسبق السيف العذل?
لن ينفع الهروب الى الاستقواء بإمعات سياسية لبنانية تتقن فن الصراخ والضجيج لتضليل الناس, لأن هؤلاء أول من سينقلب على النظام حين يرون أول بوادر ضعفه,, وهم أول من يصفق لمن سيأتي بعده عملا بقول اخواننا الدروزquot;بقاش بدها ...قوموا نهنيquot;, وها هي تلك الامعات تغير بوصلتها مع بدء اندحار مشروعquot;حزب اللهquot; لحبس لبنان في زنزانة السياسة الايرانية, وأول الغيث جاء من ولي أمر الحزب حسن نصرالله الذي اختار السلامة وآثر الاختباء في جحره والتزام الصمت, فكل هؤلاء كالفئران يفرون من السفينة حين توشك على الغرق.