جيمس زغبي

كان الرد الإسرائيلي على الأخبار التي تفيد بتوصل الفصائل الفلسطينية إلى اتفاق وحدة مثيراً للغضب كما كان متوقعاً؛ حيث سخر نتنياهو من الاتفاق مستخدماً عبارات حدية، قائلاً إن على الفلسطينيين أن يختاروا إما quot;السلام مع إسرائيل أو السلام مع حماسquot;! مخيراً المتحدث باسمه الفلسطينيين بين quot;المصالحة أو السلامquot;.

والأمر المثير للغضب بالطبع هو الافتراض الضمني في صياغة نتنياهو للمسألة: أن السلام مع حكومته يمثل إمكانية حقيقية يرفضها الفلسطينيون اليوم. والحال أن حكومة نتنياهو لم تبدِ أي اهتمام بالتقدم نحو السلام -اللهم إلا إذا كان وفق الشروط التي تمليها هي وتريد أن يوافق عليها الفلسطينيون.

ولئن كان نتنياهو يتظاهر بخيبة الأمل جراء هذه الخطوة الفلسطينية في العلن، فأغلب الظن أنه يشعر بالسرور في السر، وذلك لأن الضغط الذي كان يشعر به لتقديم بعض quot;التنازلاتquot; للفلسطينيين في خطابه المقبل أمام الكونجرس الأميركي زال الآن؛ وبات باستطاعته العودة إلى الأسلوب القديم، حيث يعبر عن رغبة فضفاضة في السلام في الوقت نفسه الذي يحذر فيه من أن ثمة الآن دليلاً واضحاً على عدم وجود شريك فلسطيني يستطيع أن يعمل معه. وسيشعر نتنياهو بالحرية لتسريع التوترات مع غزة، والغارات في الضفة الغربية، وهدم المنازل في القدس، ومواصلة بناء المستوطنات، كما يحلو له؛ بينما سيتكفل حلفاؤه في الكونجرس بالباقي؛ حيث سينددون بالمصالحة الفلسطينية ويقولون إنهم لا يملكون خياراً غير اتخاذ خطوات لتعليق المساعدة الأميركية للسلطة الفلسطينية.

غير أن ما فعلته quot;فتحquot; وquot;حماسquot; بتوصلهما لهذا الاتفاق مهم للغاية وينبغي دعمه. ولكنّ ثمة ملاحظتين لابد من الإشارة إليهما في هذا الصدد: 1 - إن الحركتين أعلنتا عن الخطوبة، ليس إلا -أما موعد الزفاف فقد حدد لوقت لاحق وسيكون الزواج هشاً ويتعرض لتدخلات سلبية من الممانعين الذين سيسعون ما استطاعوا إلى تحطيمه؛ 2- إن الولايات المتحدة يمكن أن تكون واحدة من هذه القوى quot;المخربة للبيوتquot; (مثلما كانت من قبل) في حال مارست الإدارة ضغوطاً أكبر مما ينبغي على الفلسطينيين أو دعمت جهود الكونجرس لحرمانهم من المساعدات التي يحتاجونها.

ولأن فلسطين تظل بلداً أسيراً، فإنها لا تتحكم في مصيرها. والحق أن رئيس الوزراء سلام فياض قام بعمل رائع بخصوص إعادة تنظيم وزارات السلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن وترتيب البيت المالي الفلسطيني؛ غير أن غزة ما زالت ترزح تحت حصار شبه كامل؛ والقدس وأطرافها قُطعت عن بقايا بقية الضفة الغربية؛ والضفة الغربية نفسها فُصلت وقسمت إلى كانتونات صغيرة بدون إمكانية اتصال مع العالم الخارجي. ونتيجة لذلك، لا يمكن تطوير أي اقتصاد حقيقي أو مستديم، مما يترك الفلسطينيين معتمدين على إسرائيل وعلى المساعدات الخارجية. ولذلك، فإن معاقبة شعب أسير عبر حرمانه من المساعدة أمر قاس وغير مبرر أبداً.

وبالنظر لهذا الوضع المزري، فإن التلميح إلى أن على الفلسطينيين أن يختاروا المصالحة أو السلام، في وقت لم يكن فيه السلام خياراً، لا يعدو كونه مجرد تهكم قاس ومخادع.

وما هو واضح بجلاء منذ انتخابات 2006 هو أن الكيان الفلسطيني تكسر وكان في حالة تفكك -والجميع تصرف بشكل سيئ. فالولايات المتحدة وإسرائيل لم تقبلا نتيجة الانتخابات، فاتخذت إسرائيل تدابير قمعية. كما قُطعت المساعدات، وبدأت الولايات المتحدة تضغط على الجانب الخاسر، quot;فتحquot;، للبحث عن مواجهة. ومن جانبها، تصرفت quot;حماسquot; أيضاً على نحو أحمق؛ إذ بدلًا من تقلد دور حكومة مسؤولة وتجاهل الاستفزازات العديدة ضدها، واصلت سلوكها العنيف القديم -فلجأت إلى الإرهاب وبحثت عن معارك لا تستطيع الفوز فيها. وكانت النتائج كارثية، فلثلاث سنوات الآن لم يكن الفلسطينيون ضعفاء ومحتلين فحسب، وإنما ظلوا منقسمين أيضاً على نحو متزايد في ظل وجود quot;حكومتينquot; متنافستين في منطقتين أسيرتين. وكان هذا الوضع مرهقاً وغير قابل للاستمرار.

والواقع أن الفلسطينيين يحتاجون لهذه الوحدة، مثلما تحتاجها الولايات المتحدة والإسرائيليون، سواء كانوا يدركون هذا أم لا. ذلك أن المصالحة الفلسطينية تمثل شرطاً مسبقاً لأي اتفاق سلام وللاستقرار في تلك المنطقة؛ وquot;حماسquot; تمثل جزءاً من الكيان الفلسطيني. غير أن مقاربة إدارة بوش التي قامت على العمل على تعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي لم تزد الوضع إلا تدهوراً، حيث تسببت في مزيد من المرارة، وهددت بإحداث قطيعة دائمة -وضع لم يكن ليفيد سوى أولئك الذين يتصورون احتلالًا إسرائيليّاً طويل المدى وهيمنة على شعب فلسطيني سجين.

وهذا الجهد الرامي إلى تحقيق المصالحة قد يقدم للفلسطينيين اليوم فرصة لترتيب بيتهم. أما أولئك الذين يشيرون في إسرائيل وفي الكونجرس إلى ميثاق quot;حماسquot;، فعليهم أن يقرؤوا ميثاق quot;الليكودquot; أو بعض الفتاوى الدينية التي يصدرها الزعيم الروحي لحزب quot;شاسquot;.

ولعل ما ينبغي أن يكون مدعاة للقلق هو سلوك quot;حماسquot;، والحال أن اتفاق المصالحة هذا قد يكون أفضل طريقة لضمان أن تتصرف الحركة على نحو مسؤول. ذلك أنه إذا سُمح للحكومة التقنوقراطية الجديدة بالاشتغال والاستمرار على الطريق الذي رسمه فياض، وإذا استطاعت quot;حماسquot; وquot;فتحquot; مواصلة العمل على أسلوب اشتغال في الضفة والقطاع بما يقود إلى انتخابات جديدة في وقت لاحق من هذا العام، فإنه يمكن القول إن الفلسطينيين سيكونون قد وضعوا أنفسهم في موقف أقوى للمطالبة بالدولة.

وأخيراً نصل إلى بيت القصيد: لا ينبغي أن يُطلب من الفلسطينيين اختيار quot;المصالحة أو السلامquot;، وبخاصة عندما يكون الطرف الذي يطلب ذلك متورطاً في حرمانهم من فرصة تحقيق الاثنين. فالفلسطينيون يحتاجون إلى المصالحة والسلام. وهم يعملون حاليّاً على الأولى. وقد حان الأوان لكي تساهم الولايات المتحدة وإسرائيل مساهمة حقيقية في الدفع نحو تحقيق الأخير.

وعلى المدى القصير، في حال قام الكونجرس الأميركي بتعليق المساعدات، فسيكون من المهم أن تتقدم الدول العربية وأطراف أخرى إلى الأمام لدعم السلطة الفلسطينية، مما يتيح لمخطط المصالحة الوقت للعمل حتى الانتخابات وصولاً إلى تصويت متوقع للأمم المتحدة في الخريف المقبل. وبالطبع، لا شيء من هذا سيفضي لوحده إلى دولة؛ ولكن سلطة فلسطينية ديمقراطية وموحدة ستدافع بقوة أكبر من الناحيتين الأخلاقية والقانونية عن مطلب الاعتراف مقارنة مع ما سيستطيع الفلسطينيون القيام به وهم يعيشون (مثلما هو حالهم اليوم) منقسمين ومحكومين بكيانات مشكوك في شرعيتها. وربما لهذا السبب بالذات، تناصب إسرائيل الاتفاق كل هذا العداء.