علي حماده

كل رصاصة يطلقها أمن النظام في سوريا على الثائرين العُزّل يقصّر من عمر النظام نفسه. وكلما اطلقت النيران على المدنيين في مدنهم وقراهم اتجه النظام إلى منزلق خطير. وفي النهاية لن يبقى النظام بعد كل القتلى الذين يسقطون كل يوم في كل مكان من سوريا. فلقد بدأت الأزمة بحد أدنى من المطالب السياسية المحقة التي طال انتظارها، ولذلك قرنت المطالب بالحرية و الكرامة اللتين يفتقر اليهما السوريون في وطنهم. ومع انتهاج النظام القوة سبيلا للتهرب من الاستحقاق وسقوط القتلى بالعشرات بداية، ثم بالمئات، تحولت الأزمة والمطالب المحدودة ثورة حقيقية. فلنتصور ان السوريين قادرون اليوم على النزول الى الشارع بحرية من دون أن يطلق عليهم الرصاص الحي، او من دون ان يعتقلوا، فلربما كانت البلاد شهدت نزول الملايين. وكم صَدَق من قال إن كل الرجال والنساء الذين يخرجون للتظاهر هم مشاريع شهداء لانهم يعرفون تمام المعرفة انهم ربما لن يعودوا الى منازلهم. وكم صدق من وصف هؤلاء بابطال الحرية الذين نتعلم منهم منذ الخامس عشر من آذار الماضي، و مع كل إشراقة شمس كيف يكون النضال في سبيل الحرية والكرامة. هؤلاء نتعلم منهم كيف يواجه الرصاص الحي ونيران الدبابات بالصدور العارية، وببيارق الوطن، واللافتات المكتوبة بحبر الشجاعة والإيمان بالحق فترفع شعارات تدعو الى الحرية ووحدة الشعب. ولعل أكثر ما يستوقفنا هو هذا الشعار القوي الذي تتردد اصداؤه في ارجاء بلاد الشام: الموت ولا المذلة. انه درس تاريخي آخر لكل عربي من المحيط الى الخليج يأتينا من بلاد سلطان باشا الاطرش، وابرهيم هنانو والشيخ صالح العلي... وخلاصته ان الشعوب لا تموت... تغرق في سبات عميق وطويل، ولكنها لا تموت ابدا...
ونحن في لبنان، شأن العرب كلهم، نقف وقلوبنا تدمى لكل مواطن سوري، لكل ثائر او ثائرة تسقط في ساحة الحرية والكرامة من درعا الى دمشق وحمص، ومن ريف دمشق الى مدن الساحل اللاذقية، بانياس، طرطوس، ومن دير الزور الى القاملشي فحلب. وبقدر ما تدمى قلوبنا لشهداء الحرية والكرامة، نشهد لهؤلاء الذين يزرعون في ارض عربية الامل في غد افضل، حيث لا يعود ثمة من يقتل الانسان في الانسان على النحو الذي شهدته سوريا مدى اربعة عقود.
ان النظام في سوريا قرر اسالة دماء الاحرار لخنق... ولذلك لا شك في ان الحرية التي يدفع ثمنها الشعب اليوم بالدم والدموع سيفوز بها في نهاية المطاف، وإن طال الزمن، وكبرت المعاناة.
كلامنا هذا ليس quot;رهانا مجنوناquot; كما يحلو لبعض الهلعين في لبنان ان يصفوه، انه الانحياز الى الحق والعدالة، مع الحرية والكرامة... فما نفع الحياة بحدودها quot;البيولوجيةquot; في ذلك quot;السجن العربي الكبيرquot;؟
هذا بالضبط ما يثور ضده احرار سوريا اليوم... فلنقف لهم اجلالا.