محمد سلمان العبودي


كاد الإعلام يغفل عن معاناة الشعب الفلسطيني في خضم أحداث التغيير في معظم الدول العربية. فقد ركزت وسائل الإعلام العربية والغربية على حد سواء على ما يجري في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وكأن العالم كله تبلور في هذه الدول الخمس.

ومن جانب آخر، كان من المفترض أثناء حدوث مثل تلك القلاقل المفزعة بالنسبة لإسرائيل أن تعيد النظر في سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني وتتعلم الدرس من انتفاضات الشعوب دون سابق إنذار وتضع نصب عينيها أن الشعوب المظلومة إن تفجرت براكينها وزلزلت أراضيها فلن يوقفها إلا الله.

غير أنها فيما يبدو ولدت على أسلوب اغتنام الفرص القريبة وافتقاد النظرة البعيدة لعواقب الأمور. وعندما نقرأ تاريخ اليهود كمجموعات عرقية منغلقة على نفسها ومعاناتهم منذ زمن حكم فرعون حتى زمن هتلر وتنكيله بهم شر تنكيل، نجدهم لم يتعلموا بعد الدرس من عواقب الدسائس والسيطرة على مقدرات الشعوب بطريقة تتسم بالريبة والتمسكن والغدر والصيد في المياه العكرة.

واغتنموا انشغال العالم بقضايا مختلفة بين فضائح الويكليكس وتسونامي اليابان وثورة مصر وتونس واستمروا في التهام ما تبقى من كعكة فلسطين على حساب حقوق الشعب الفلسطيني. وحساباتهم كما قلنا تقوم فيما يبدو على حساب ما يقع بين أيديهم دون النظر إلى أبعد من مسافة أقدامهم.

اختلال الموازين في الدول التي تحيط بهم، بقدر ما أقلقتهم لم تسرهم. وكان البعبع الذي يظهر لهم في منامهم والمتمثل في المد الإسلامي، بدأ يأخذ فيما يبدو شكل التسونامي من كافة الجهات المحيطة. وفهمت السلطة الفلسطينية تبدل الأحوال فيما حولها، وأدركت أن من اعتمدت عليها لدعم بقائها لم تعد تقف على أرضية صلبة، وان إسرائيل قبل ثورة مصر ليست هي بعدها.

والدعم المطلق الذي كانت تتمتع به الدولة اليهودية من أقرب حلفائها العرب، قد ولى دون رجعة، وفيما لو أن انقلبت الأمور في سوريا فستكون المسائل أكثر تعقيدا، ليس فقط لإسرائيل بل للعديد من الدول المحيطة بها.

فالاخوان المسلمون والحركات والتنظيمات الإسلامية المختلفة في مصر وفي سوريا وفي تونس وربما غدا في ليبيا واليمن والعراق إن قبضت على زمام الأمور وإن قررت تطبيق ما كانت تؤمن به وتنادي له ؟

هذا إذا لم تغرها وسائد كراسي الحكم ورضخت لتقديم التنازلات والوقوع في فخ الاحتواء الغربي لحركاتها ؟ فإن الوضع الأمني لإسرائيل سيكون محل نظر. وبالتالي فإن من يلعب مع فريقها سيكون الخاسر الأول. لذا قررت فتح اقتناص الفرصة قبل فوات الأوان ووضعت يدها في يد حركة حماس لتوقيع المصالحة، أين؟

في مصر، التي ما زالت تنفض عنها غبار ‬30 عاما من الحكم المطلق الداعم لإسرائيل ماديا ومعنويا وحتى (غازيا). اتفاق المصالحة هذا يعتبر نقطة تحول هامة في تاريخ الدولة العبرية. شريطة ألا يعود الأخوة الأعداء من جديد إلى حمل السلاح ضد بعضهم البعض.

الداعم الأكبر لإسرائيل كالولايات المتحدة وفرنسا، مشغولتان هذه الأيام بترتيب مستقبل وجودهم الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط. فبعد أن خرجت الأمور عن سيطرتهما في مصر وتونس، ووجدتا نفسيهما خارج تواتر الأحداث، قررتا اللحاق بالقافلة قبل أن يفلت من يديهما زمام الأمور في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وتصبحا مجرد دول كبرى تجلس بين صفوف المتفرجين.

ولذا لا نسمع الكثير عن إسرائيل هذه الأيام في وسائل الإعلام الغربية، سوى القلق الأخير من نتائج المصالحة الفلسطينية. وقلق إسرائيل هذه المرة بلغ نسبة تعدت الخطوط الحمر، لأنها ربما تدرك بأنها مصالحة لا تشبه غيرها من المصالحات الفلسطينية -الفلسطينية السابقة من منظور التغييرات الحالية .

والتي ستحدث في المستقبل القريب في الوطن العربي. فهل اكتشفت إسرائيل نفسها في الأيام الأخيرة كجزيرة صغيرة في وسط محيط تشير أمواجه المضطربة على اقتراب تسونامي مدمر؟ ترى بأي الصواريخ النووية والتكتيكية استطاعت اليابان على سبيل المثال حماية جزرها من المد المدمر؟

وهل استطاعت كافة أسلحة الولايات المتحدة البرية والجوية والبحرية على تغيير مسار الطوفان والأعاصير المدمرة عن حدودها الجغرافية؟ بالطبع كلا. وكذلك إسرائيل لن تستطيع بكل ما تملك من قوة من تغيير مسار التسونامي الإسلامي المتجه نحوها، إن لم يكن في الوقت القريب فهو بالتأكيد على المدى البعيد.

ولكن مشكلة إسرائيل تكمن في أنها لا تأخذ العبرة لا من نفسها ولا من الظواهر الطبيعية. والمشكلة الثانية لديها أنها لا تؤمن لا بالمنطق ولا بنظرية تغير الأحوال ولا بما يدور حولها! وهذا بحد ذاته كارثة على كيانها. فالسباحة ضد التيار لا تحمد عواقبه.

وكونها جارة لمصر ولسوريا فعليها أولا تحسين صورتها من خلال تقديم التنازلات التي قد يجعلها تنام بسلام. وإلا فإن مصيرها سيكون كما كان مصير الشعب الفلسطيني في الماضي الذي رفض أي شكل من أشكال التنازلات إلا بتحرير كل شبر من أراضي فلسطين المحتلة. حتى أصبح حتى وقت قريب يقدم كل أشكال التنازلات دون أن يطلب منه أحد ذلك.

هناك تلميحات واضحة من بعض الدول الكبرى وعلى رأسها فرنسا التي بدأت تشعر بأن إسرائيل لم تعد في مأمن من تطور الأحداث في العالم العربي، وفهمت أن استقرار الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة هو أفضل ضمان مؤقت لأمن الكيان الصهيوني.

غير أن تصريحات نتنياهو لمجلة الاكسبرس وهو في فرنسا الأسبوع الماضي تؤكد أنه كيان لا يواكب الأحداث ويعيش في (غيتو) مغلق محاط بأسوار عالية من الخرسانة لعدم شعوره بالأمان، ويعتقد أنه لا بد من إكراه المسلمين بدون مقابل على الاعتراف بأن فلسطين دولة لليهود فقط. أي منطق هذا؟