خيرالله خيرالله

لدى توقيع اتفاق المصالحة بين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; في القاهرة، كانت تركيا حاضرة بقوة إضافة إلى مصر طبعاً. كذلك كانت قطر التي زار أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني العاصمة المصرية عشية التوقيع حاضرة بقوة. كان السؤال المطروح مع انتهاء الاحتفال بالمصالحة في مقر المخابرات المصرية هل ستعتمد quot;حماسquot; الخط التركي أم تبقى أسيرة المحور الإيراني- السوري؟ في النهاية، لم يكن لدى أي من الذين حضروا الاحتفال بتوقيع اتفاق المصالحة وهم بأن quot;حماسquot; كانت تهرب من أزمة عميقة بعد فشل رهانها على النظام السوري وحليفه الإيراني. ذهب أحد المسؤولين الفلسطينيين الذين كانوا في القاهرة إلى حدّ القول: quot;لولا درعا، لما كانت هناك مصالحة فلسطينية - فلسطينيةquot;.
كانت هناك إشارات عدة ذات طابع رمزي يمكن أن تعطي فكرة عما إذا كان هناك مجال للتفاؤل بأن الاتفاق سيؤدي إلى نتيجة ايجابية ما. كان مفيداً ملاحظة أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية السيد محمود عبّاس (أبو مازن) رفض أن يكون في موقع يتساوى فيه مع السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـquot;حماسquot;. سعى مشعل بكل الوسائل إلى الظهور في مظهر أنه في موقع موازٍ لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية. فشل في ذلك إلى حدّ كبير. لم يُسمح له بروتوكولياً سوى بإلقاء خطاب قصير ليس معروفاً بعد هل يعكس رغبة حقيقية في الخروج من مرحلة بيع الأوهام إلى الشعب الفلسطيني أم لا. تظاهر مشعل بأنه سيقول كل شيء في خطابه القصير القائم على quot;الايجازquot;. لم يقل شيئاً يصب في خدمة القضية الفلسطينية بمقدار ما أنه أكّد عمق الأزمة التي تعيشها quot;حماسquot;. إنها أزمة ذات طابع داخلي أوّلاً واقليمي ثانياً وأخيراً.
لا مفرّ من الاعتراف بأن quot;فتحquot; تعيش بدورها أزمة وأن الرئيس الفلسطيني ليس قادراً على الإقدام على أي مبادرة. لا يزال رهانه على المجتمع الدولي وعلى الإدارة الأميركية تحديداً التي يُفترض بها أن تقف مع قرار ما في شأن فلسطين عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يصدر في أيلول- سبتمبر المقبل. في استطاعة quot;أبو مازنquot; أن يحمّل المجتمع الدولي مسؤولية عدم صدور مثل هذا القرار الذي سيدعو إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة استناداً إلى حدود العام 1967، ولكن ماذا إذا لم يصدر مثل هذا القرار؟ ماذا سيعني تحميل المجتمع الدولي مسؤولية التخلي عن خيار الدولتين؟ هل سيحمل ذلك إدارة باراك أوباما على التفكير ملياً في أن لديها مصلحة في قيام الدولة الفلسطينية quot;القابلة للحياةquot; وأن ذلك يخدم الاستقرار في الشرق الأوسط؟ هل من وسائل ضغط فلسطينية أو عربية على أي جهة كانت غير اتخاذ قرار واضح لا لبس فيه بأن حل السلطة الوطنية الفلسطينية أمر وارد؟
في كلّ الأحوال، يمكن القول إن quot;فتحquot; وquot;حماسquot; هربتا إلى المصالحة. ولكن ماذا بعد؟ هل quot;ستحشر المصالحة إسرائيلquot; كما يتوهّم السيد مشعل؟ الجواب بكل بساطة إن هناك فارقاً بين التكتيك والاستراتيجية. من يريد فعلاً استخدام المصالحة في سياق استراتيجية معينة، عليه أن يفكر منذ الآن في أن المشروع الوحيد القابل للحياة هو البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. عندما توافق quot;حماسquot; على البرنامج السياسي للمنظمة يصبح هناك أمل في تحقيق نقلة نوعية على الصعيد الفلسطيني. إلى الآن، لا يوجد للأسف الشديد مثل هذا الأمل. هناك خوف حقيقي من أن تكون المصالحة مجرد خطوة تكتيكية لا هدف لها سوى خروج كل من quot;حماسquot; وفتحquot; من أزمتين داخليتين عائدتين إلى وصول كل منهما إلى طريق مسدود.
قد لا يكون هذا الكلام صحيحاً. ولكن، ليس بعيداً اليوم الذي سيتبين فيه هل تستطيع quot;فتحquot; تجاوز أزمتها الداخلية. كذلك، ليس بعيداً اليوم الذي سيتبين فيه هل في استطاعة quot;حماسquot; التصدي للاحتلال الإسرائيلي بدل أن تضع نفسها في خدمته عن طريق طرح شعارات فارغة لا أفق سياسياً لها. هل تستفيد quot;حماسquot; من تجربتها الفاشلة في غزة؟
مثل هذه الشعارات التي لا تزال quot;حماسquot; ترفعها لا تقدّم ولا تؤخر، بل تساعد حكومة بنيامين نتنياهو في تكريس احتلالها لجزء من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. يوم الامتحان قريب. هل الهدف من المصالحة وضع اليد على منظمة التحرير الفلسطينية وشل قدرتها على اتخاذ قرارات واضحة تؤكد وجود قرار فلسطيني مستقل؟ هل الهدف من المصالحة التخلص نهائياً من حكومة الدكتور سلام فيّاض التي وضعت اللبنات التي يمكن أن تؤدي إلى جعل المجتمع الدولي يقبل قيام دولة فلسطينية مستقلة وفرضها على إسرائيل؟
ساعة الامتحان لنيات quot;حماسquot; تقترب. أي حكومة فلسطينية تستبعد سلام فيّاض ستعكس عجزاً فلسطينياً عن التعاطي مع المجتمع الدولي. هناك رغبة دولية في مساعدة الفلسطينيين لأنّ لديهم حكومة أظهرت إلى الآن أنها تمتلك حداً أدنى من الشفافية والقدرة عل التعاطي مع الواقع فضلاً عن بناء مؤسسات لدولة حديثة. ما الذي يريده الفلسطينيون في نهاية المطاف؟ هل هناك شيء اسمه مصالحة من أجل المصالحة؟ أم أن هدفهم إقامة دولتهم المستقلة؟ إلى إشعار آخر، لا وجود لجسر ينقلهم إلى الدولة غير حكومة سلام فيّاض. مثل هذه الحكومة يمكن أن تطوي إلى الأبد صفحة الانقسام الفلسطيني وأن تهيء الأجواء لمؤتمر دولي جديد يؤسس لقيام دولة فلسطينية. كل ما تبقى تفاصيل وإضاعة للوقت ليس إلاّ!