David Goldman - Asia Timesl


ما يثير السخرية هو أن بن لادن وقع على ما يبدو ضحية الثورات العربية الكبرى في عام 2011، إذ يمكن أن نطلق التكنهات بشأن تفاصيل مقتله لكننا قد لا نعلم الحقيقة الكاملة مطلقاً، ومن العدل أن نستنتج أنه سُحق بين صفائح الثورات المزلزلة التي تضرب العالم الإسلامي راهناً.

ما يثير الصدمة أكثر من مقتل أسامة بن لادن، يوم الاثنين، كان واقع أنه عاش بكلّ أمان في مزرعة في أبوت آباد، على بُعد 65 كيلومتراً من شمال العاصمة الباكستانية إسلام أباد، فكم عدد المسؤولين الباكستانيين الذين كانوا يعلمون بهذا الأمر؟ لقد أعلن الرئيس باراك أوباما، في 1 مايو، مقتل بن لادن على يد القوات الباكستانية والأميركية الخاصة، فجاهر قائلاً: 'الولايات المتحدة يمكنها أن تحقق كل ما تصمّم على فعله'.

لكن يبدو أنها لا تستطيع فعل ذلك من دون مساعدة أصدقائها، ومن الملاحظ أنها تأخرت فعلاً في طلب المساعدة، ففي العادة، لا أراهن على مسار العمليات العسكرية، إذ يشبه طلب المعلومات بشأن مسائل سرية القبول بسماع الأكاذيب، حتى لو كانت المصادر موثوقة، لكن توجد بعض الاعتبارات الواضحة في هذا المجال، حتى في ظل غياب أي تلفيق للمعلومات كما يحصل في العادة. يصعب التوصل إلى استنتاج آخر عدا مقتل بن لادن هذا الأسبوع لأن الأشخاص الذين كانوا يعرفون مكان اختبائه اختاروا هذه اللحظة بالذات لإبلاغ السلطات الأميركية، فما الذي تغيّر إذن؟ الجواب بسيط: كل شيء تغيّر! فقد بلغت الاضطرابات في العالم الإسلامي مستوى عالياً لدرجة تجعل بن لادن نفسه عاجزاً .

لقد أدت الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك والاقتراب من إسقاط الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، فضلاً عن اندلاع الاضطرابات الهائلة في أنحاء العالم العربي، إلى تغيير مكانة 'القاعدة'، فمن وجهة نظر الرياض، كان بن لادن مصدر إزعاج، ولكنه لم يكن يطرح تهديداً على الموقع الاستراتيجي السعودي.

لقد فضّلت العائلة المالكة غضّ النظر عن إقدام بعض السعوديين الأكثر تطرفاً على توفير الدعم لِبن لادن بشكل سري مقابل موافقة 'القاعدة' على ترك شبه الجزيرة العربية بسلام.

مع زعزعة الاستقرار في اليمن، لم تعد هذه المساومات نافعة، وقد اتضح من التصريحات الدبلوماسية المختصرة التي أطلقها وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس خلال حديثه، في 6 أبريل، مع الملك عبدالله، أن السعوديين يشعرون بقلق شديد من زعزعة استقرار اليمن على يد 'القاعدة' وإيران.

في خضمّ الحرب الأهلية التي تتأجج بوتيرة بطيئة في اليمنndash; والحرب غير المعلنة القائمة بين الرياض وطهران- تصرفت 'القاعدة' وكأنها حليفة لإيران، فشكّل هذا الأمر مصدر إزعاج للسعوديين ولكنهم أغفلوا عن ذلك طالما يبقى النظام المتحالف مع المملكة العربية السعودية سالماً، غير أنّ انهيار نظام صالح الوشيك يمنح إيران مكانة أقوى على الحدود السعودية.

صحيح أن بن لادن نفسه كان سنياً، غير أنّ أبرز العلاقات الرسمية التي تقيمها 'القاعدة' هي مع إيران، ومن بين الانتحاريين المحتملين الذين اعتُقلوا في ألمانيا، في الأسبوع الماضي، برز عدد من الإيرانيين، وقد كانوا على ما يبدو يتعاونون لتنفيذ عملية من تخطيط 'القاعدة'، فليس هذا الأمر بجديد، وقد استنتجت لجنة التحقيق بأحداث 11 سبتمبر، والمؤلفة من أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أن إيران فتحت حدودها أمام عناصر 'القاعدة' في أفغانستان، في عام 2000... باختصار بات نشاطها في ظل الظروف الراهنة يخدم مصالح الإيرانيين.

على صعيد آخر، لدى السعوديين مصلحة في القضاء على المنظمات الإرهابية في الجيش الباكستاني، ومع تصاعد حدّة الحرب الباردة بين السعودية وإيران، قد تتجه الرياض نحو إسلام أباد بحثاً عن الدعم العسكري، كذلك، تشير بعض التوقعات إلى أنّ المملكة العربية السعودية قد تطلب تكنولوجيا الأسلحة النووية من باكستان لمواجهة برنامج إيران النووي، فأين يمكن أن يبحث السعوديون عن الدعم في حربهم ضد إيران؟ لا يمكن أن يثقوا بالولايات المتحدة، فقد سرت أنباء مفادها أن الملك عبدالله شعر بغضب شديد عندما تخلى أوباما عن مبارك بعد أن كان حليفاً للولايات المتحدة لفترة طويلة، ولا يمكنهم الوثوق بالأتراك الذين أصبحوا يتدخلون بأدق تفاصيل المنطقة.

لذا يبدو أن إمكانات باكستان العسكرية وحاجتها الماسة إلى المال ستجعل من هذا البلد الفريق الأنسب لخدمة المصالح السعودية، وهو سبب إضافي للتحرك ضد عناصر غير موثوقة مثل بن لادن.

ما يثير السخرية هو أن بن لادن وقع على ما يبدو ضحية الثورات العربية الكبرى في عام 2011، إذ يمكن أن نطلق التكنهات بشأن تفاصيل مقتله لكننا قد لا نعلم الحقيقة الكاملة مطلقاً، ومن العدل أن نستنتج أنه سُحق بين صفائح الثورات المزلزلة التي تضرب العالم الإسلامي راهناً.

بالتالي، يبدو الموقف الأميركي المتباهي بإنجاز قتل بن لادن غير مناسب، وقد تكون القوات الأميركية الخاصة السبب التقريبي في مقتل بن لادن بطريقة عنيفة، لكن يبدو أن السبب الحقيقي يتعلق بانتفاضة استراتيجية كبرى لا تفهمها الولايات المتحدة حتى الآن، ويبدو أنها غير مستعدة بعد للتجاوب معها.