ياسر الزعاترة

laquo;الرويبضةraquo; بحسب الحديث الشريف هو الرجل التافه يتحدث في أمور العامة، وبالضرورة المرأة التافهة، وكلاهما يعتقدان أن بوسعهما التأثير في الرأي العام حين يتحدثون في هذه القضية أو تلك.
منذ الثورة المصرية ونحن نتابع ما يمكن وصفه باتساع ظاهرة الرويبضات من الممثلين والممثلات، والتي كان عادل إمام نجمها الأبرز، بينما ضمت إلى جانبه حشدا من الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات والراقصين والراقصات (هل يوجد راقصون؟!)، ولا يتوقف الأمر عند هذا القطاع، بل يمتد ليشمل بعض (نكرر بعض) المشهورين من لاعبي كرة القدم والرياضيين.
في الحالة المصرية كان القوم laquo;إياهمraquo; يخرجون علينا كل يوم في وصلات ردح وتمثيل وبكاء يشتمون من خلالها المتظاهرين في ميدان التحرير، بينما يكيلون المديح للسيد الرئيس، laquo;بطل الضربة الجويةraquo; وزعيم مصر الملهم وأسدها الهصور، ولم يكن هؤلاء يبخلون بكم هائل من الكذب والدجل والتزوير في سياق الحشد لصالح رئيسهم العظيم.
افتضح هؤلاء عندما سقط بطلهم العتيد، وصار رهن الاعتقال، هو ومعظم رموز مرحلته، وراحوا يعتذرون أحيانا ويكذبون أحيانا أخرى على أمل أن يغفر الناس لهم، لاسيَّما أن شباب الثورة كانوا لهم بالمرصاد عندما نشروا قوائم سوداء بأسماء من وقفوا ضد الثورة.
لا ننسى بالطبع أن ظاهرة الرويبضات تشكل قطاعا من الصحافيين والكتاب والمثقفين، حتى لا يظن البعض أننا نستثني أصحاب مهنتنا، لكن الأمر هنا يبدو مختلفا، إذ يمكن وضعه ضمن ظاهرة الانتهازية السياسية التي تشمل قطاعات عريضة من المجتمع، بما فيها علماء الدين الذين يتخصص بعضهم في إرضاء السلطان، من دون أن ينسى بعضهم القول إنهم بما يفعلون يعبرون عن موقف أهل السنة والجماعة من الحاكم (ألا بُعداً لمنطق كهذا يشوه دين الله العظيم الذي جاء محررا للإنسان من أية عبودية لغير الله).
في الحالة السورية نتابع منذ أسابيع وصلات لا تنقطع من الكذب والنفاق يقودها حشد من الممثلين والممثلات من طراز دريد لحام وسلاف فواخرجي وآخرين، ويبدو أن بعضهم قد اعتقد أن نجاح الدراما السورية يعني بالضرورة أن رموزها من ممثلين ومخرجين صاروا نماذج تحتذى في المواقف السياسية، وأنه ما إن تتخذ إحداهن أو يتخذ أحدهم موقفا لصالح الرئيس أو ضده حتى يسير الناس في ركابهم زرافات ووحدانا.
من يتابع الفضائية السورية سيجد نفسه أمام هذه الظاهرة المستفزة، وسيستمع إلى وصلات من الكذب الرخيص يقوده ممثلون وممثلات باعوا أنفسهم للشيطان وراحوا يرددون ما يُتلى عليهم من مزامير لا صلة لها بضمير الناس، بقدر صلتها بنصرة الظلم والظالمين، من دون أن ننسى أن ثمة آخرين كانت لهم مواقف مختلفة، وإن خجولة في رفض الظلم.
هي ظاهرة تستحق التوقف مليا في واقع الحال، ذلك أن القطاع الأعرض من الممثلين والممثلات والمغنين والمغنيات ليسوا من النماذج التي يحق لها النطق باسم المجتمع، ومعهم أبطال الألعاب الرياضية (باستثناء قلة مثقفة وذات مواقف تخص الشأن العام)، لأن محبة الناس لأداء ممثل أو لاعب رياضي لا يعني أنه بات نموذجا يحتذى في القضايا العامة.
في كثير من الانتخابات البرلمانية اعتقد رياضيون وممثلون أن متابعة نسبة كبيرة من الناس لهم وشغفهم بتفوقهم الرياضي أو غنائهم أو أدائهم التمثيلي يعني إمكانية فوزهم، فكان أن طرحوا أنفسهم كمرشحين ليفاجَؤوا بنتائج في منتهى البؤس.
إنه الوهم الذي يصنعه نجاح فيلم أو مسلسل أو أغنية، الشغف بمتابعة مباراة رياضية، من دون التفريق بين ساعات السمر وساعات الجد، لاسيَّما في بلادنا، وحيث يختزن المسلم في وعيه صورة خاصة للرجال الذين يستحقون التقليد في المواقف العامة، خلافا للغرب الذي يمكن لوسائل الدعاية أن تجعل من ممثلة أو راقصة شخصية عامة تفوز في انتخابات سياسية.
لا خلاف على أن اتخاذ فنان محترم أو رياضي له وزنه موقفا سياسيا ينسجم مع ضمير الناس، فضلا عن أن يدفع الثمن المترتب على ذلك في مواجهة السلطة، سيرفع قدره بين الناس، لكن الأمر هنا مرتبط بالموقف السياسي وليس بذات المهنة (كم نسبة الناس الذين يتمنون، بل حتى يقبلون أن تصبح بناتهم ممثلات ومغنيات في مجتمعاتنا؟!). أما العكس فليس صحيحا على الإطلاق، إذ إن اتخاذ موقف يناهض أشواق الناس في الحرية والكرامة لا يؤدي لغير الازدراء، تماما كما يحدث مع الآخرين.
خلاصة القول هي أن اعتقاد السلطة، أية سلطة، أن تأييد الرويبضات لمواقفها يكسبها بعض المصداقية هو وهمٌ لا أكثر، ولو صحّ ذلك لصحّ في حالة بعض العلماء أصحاب المصداقية في الأصل، مع الإقرار بأن مواقف هؤلاء قد تشوش الرأي العام، ولو في الحد الأدنى.
ضمير الناس أو وعيهم الجمعي هو البوصلة الحقيقية التي لا تخطئ، وهو غير قابل للتزوير بأي حال، لأنه نتاج مخزون ثقافي ليس بوسع صبيان البروباغندا أن يزوروه بسهولة. ولو كان غير ذلك لتأله أكثر الحكام بدل أن يشتموا من قبل الناس في كل مناسبة.