صلاح الجودر

التصريحات الإيرانية الأخيرة بشأن الأوضاع الداخلية في البحرين لم تأت من فراغ، فهي جزء من مخطط التأجيج والتحريض المستمر في هذه المنطقة والذي تمارسه إيران منذ سنوات طويلة ضد أبناء المنطقة، إلا إن التصريحات الأخيرة لبعض المسؤولين الإيرانيين، والتدافع المحموم من قبل بعض القنوات الفضائية والمواقع الالكترونية الموجهة للبحرين قد كشف عن حجم المؤامرة التي تقف خلفها إيران وبعض القوى الإقليمية.
إيران الجارة والتي حاولنا لسنوات طويلة من إقناع أنفسنا بأنها جارة تحترم حق الجوار، وتحترم حسن العلاقات، وتحترم الاتفاقيات والمعاهدات، هي اليوم من أحداث البحرين دون سواها في مواقف مختلف بالكلية، فتصريحات مسؤوليها وقادتها تنم عن عودة العقلية الشعوبية القديمة في المنطقة، الأمر الذي دفع ببعض الفعاليات لديها الشبابية في الجامعات، والرياضية في المباريات، لتبني الفكر الشعوبي التدميري الذي كان سبباً للكثير من الصراعات في المنطقة.
في السنوات الماضية خرجت علينا مجموعة من التصريحات الإيرانية كانت سبباً لتوجس دول مجلس التعاون من العقلية الإيرانية الحالية، فقد أكدت تلك تصريحات عن عودة الأطماع الإيرانية في المنطقة، ففي تصريح سابق لمندوب المرشد الأعلى في مؤسسة كيهان الصحفية الإيرانية حسين شريعتمداري جاء على لسانه: (إن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وانفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وان المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا هو إعادة هذه المحافظة)، في تأكيد على عودة هذه العقلية الشعوبية من جديد.
واليوم مع أحداث فبراير ومارس نرى نفس التصريحات ولكن تحت ذريعة الدفاع عن حقوق أبناء الطائفة، وهي شنشنة إيرانية قديمة ليست بغريبة علينا، فهي تعاود بالظهور كلما حدثت مشكلة أو قضية، من أجل الإساءة لدول وشعوب المنطقة، وإثارة النعرات بين أبناء الوطن الواحد، لتجديد الحلم الإيراني بضم الساحل الغربي لها، وإلا فإن البحرين وشعبها باختلاف مذاهبهم لا ينتمون إلى الحضارة الإيرانية، بل إن عمقهم الأساسي هو شبه الجزيرة العربية، لذا فإن التصريحات الإيرانية الأخيرة تعكس مدى الحقد الذي في عقول الساسة الإيرانيين، من هنا لابد من وقفة تاريخية للرد على تلك الشنشنات.
فالبحرين لم تكن في يوم من الأيام جزء من الأراضي الإيرانية، فالجميع يعلم بأن بلاد فارس كانت محصورة شرق جبال زاغوس، وأن الساحل المطل على الخليج العربي، وهي ما تعرف بمنطقة الأحواز والذي كان آخر حكامها الأمير خزعل الكعبي، كانت عبر تاريخها الطويل امتداد للوطن العربي الكبير.
ومن جانب آخر نرى أن مطالب الحركات الوطنية في هذا الوطن بدأت بالتأكيد على الانتماء إلى العمق العربي، وهذا التاريخ مكشوف للجميع، فالحركة الوطنية الأولي في البحرين عام 1921م والتي قادها المناضل عبدالوهاب الزياني كانت من أبرز مطالبها تأكيد عروبة البحرين تحت ظل آل خليفة، وجاءت حركة عبدالرحمن الباكر ورفاقه للتأكيد على هذه المطالب والشرعية التي توافق عليها أبناء هذا الوطن، بل أكد أبناء هذا الوطن في أكثر من مناسبة على انتمائهم للأرض وولائهم للنظام السياسي، وذلك للمرة الأولى حينما صوتوا لقيادتهم ونظامهم أمام لجنة تقصي الحقائق التي أرسلتها الأمم المتحدةِ في مايو 1970م، وحينما تم وضع أول دستور عام 1973م وميثاق العمل الوطني في فبراير 2001م.
فأبناء هذا الوطن قد حزموا أمرهم منذ عهد بعيد حينما انخرطوا في هذا الوطن رغم اختلاف مذاهبهم وأعراقهم، وأصبح ولاؤهم لدولهم وأنظمتهم، فأصبحوا جميعاً بحرينيين، تربطهم علاقات أسرية ومصاهرة، ويتمتعون بحرية سياسية ودينية كبيرة.
من المؤسف حقاً أن نرى الجارة والصديقة إيران وهي تلعب بالنار، وتلعب بالبيضة والحجر، وتكون سبباً لتجاذبات إقليمية غير محسوبة، فيكفي إيران أن تلعب بالنار فهي أول من سيكتوي بنارها، لذا فإن تصدير المشاكل للخارج ليس حلاً دائماً.
من هنا فإن المسؤولية الوطنية اليوم تحتم على الجميع التصدي للمزاعم الإيرانية من خلال تعزيز الجبهة الداخلية، والتمسك بنهج الوحدة والعيش الجماعي والتعايش السلمي، بهذا يمكننا أن نصد تلك المخططات التي تسعى لتغير هويتنا وتاريخنا ومكتسباتنا.