اللافت في خطاب المتظاهرين المصريين انه بين كل شعار وآخر تجد اللغة الإنكليزية حاضرة بقوة وكأنها تريد الوصول إلى أبعد من نظر الرئيس المصري في سيناريو مكرر لما فعله الشباب الإيرانيون إبان المظاهرات العارمة التي عمت طهران في تموز- يونيو العام 2009. فلماذا كتب المتظاهرون لافتات كثيرة باللغة الإنكليزية؟ ومن كانوا يخاطبون؟


في الثورة المصرية الحالية ثمة دلالات كثيرة، يقول البعض إنها ثورة عمادها الإقتصاد وأطرافها الحرية، فيما يؤكد آخرون أنها سياسية بامتياز وتقف خلفها تيارات لطالما عرفت بمناوءتها للنظام المصري، إلا أن الحكومة المصرية ومعها الكثير من وسائل الإعلام يثيرون بين الحين والآخر تأكيدهم على أن ما يحدث هو تحرك quot;شبابيquot; بحت لا علاقة له بأي توجه سياسي، ولا يجب أن تركب بعض الأحزاب المعارضة والحركات السياسية والدينية موجة مطالب الشباب التي سميت رسمياً بالمشروعة.

لكن اللافت في كل هذا كان خطاب المتظاهرين المصريين، فبين كل شعار وآخر تجد اللغة الإنكليزية حاضرة بقوة وكأنها تريد الوصول إلى أبعد من نظر الرئيس المصري ورموز النظام الحاكم في مصر، في سيناريو مكرر لما فعله الشباب الإيرانيون إبان المظاهرات العارمة التي عمت طهران في تموز- يونيو العام 2009.

مصر في محيطها العربي والإقليمي دولة مهمة، ولطالما عرفت بأنها الطرف الأول في quot;محور الإعتدالquot; في الشرق الأوسط، إلا أن ذلك ليس هو السبب الوحيد والكافي لأن تتدرج ردة الفعل الدولية والغربية على وجه الخصوص من تأييد quot;مبطنquot; للرئيس المصري محمد حسني مبارك إلى أن وصلت في اليوم التاسع لانطلاق الثورة إلى مطالبة صريحة quot;بانتقال السلطةquot;.

فلماذا إذا كتب المتظاهرون المصريون لافتات كثيرة باللغة الإنكليزية؟ ومن كانوا يخاطبون؟ و كيف يريدون أن تصل رسائلهم؟ وهل وصل الخطاب كما يريده المتظاهرون؟

يبدأ الدكتور أسعد شملان وهو استاذ العلوم السياسية في المعهد الدبلوماسي في السعودية الإجابة على هذه الأسئلة في حديث لـ quot;إيلافquot; بأنه مبدئياً يرى في الأمر quot;عولمةquot; تفرض نفسها في القرية الكونية الجديدة وعالمنا الجديد الذي لا حواجز فيهquot;.

ويقول شملان quot; على مدى السنوات الثلاث الأخيرة كانت مصر تشهد حركات احتجاج واضرابات وغيرها، ولكن الثورة الحالية بدأ فيها المتظاهرون يخاطبون ما هو أبعد من حكومتهم، هم يعرفون أنهم الآن تحت أنظار العالم وخصوصاً أميركا وأوروبا، وبالتالي فإنهم لا يتوجهون بحديثهم لمحيطهم الداخلي والعربي فقطquot;.

ويضيف شملان quot;الرئيس المصري بذاته، عندما أراد الخروج في حوار صحافي ليقول بعض مالديه اختار الحديث مع محطة أميركية باللغة الإنكليزيةquot;.

ويؤكد شملان أن ما يساهم في تزايد عدد هذه الشعارات أن هناك قطيعة بين الإعلام المصري المحلي وبين المتظاهرين، وبالتالي فإنهم يريدون إيصال صوتهم بحقيقته الكاملة. ويختصر الدكتور شملان الحالة كاملة بأنها quot;ترجمة المطالب للعالمquot;.

على مستوى الحراك الشبابي تبدو الحالة المصرية متماهية و إلى حد كبير مع ما حدث في طهران إبان إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس محمود أحمدي نجاد، إذ رغم أن النظامين على النقيض في تعاطيهما مع الغرب وخصوصاً أميركا، فبين نظام مصري على تناغم تام مع الغرب وبين نظام إيراني عدائي ومصنف بأنه أحد أضلاع quot;محور الشرquot; بحسب التصنيف الأميركي، إلا أن الشعارات واللافتات في المظاهرات كانت باللغة الانكليزية في غالبها، ولكنها في الحالة الإيرانية كانت أكثر تركيزاً على الخطاب العابر للقارات، وربما يعود ذلك الى أن الخطاب المحلي لن يجدي نفعاً في ظل التحكم القوي من السلطات الإيرانية على كل وسائل الإعلام المحلية، والتضييق شبه التام على وسائل الإعلام الدولية، واكتفى الشباب الإيراني بخطوط الإنترنت المتنوعة لنقل عبارتهم الشهيرة (where is my vote).

واتهمت إيران حينها الولايات المتحدة الأميركية صراحة بأنها وراء quot;الاحتجاجاتquot; التي عمت البلاد.

على سياق آخر برزت رؤى مصرية تخشى أن تستغل هذه الشعارات في منحى لا يخدم أهداف الثورة، ذلك أن ذاكرة التاريخ القريب تحفظ جيداً ما فعلته الحكومة الصينية باحتجاجات الطلاب والمثقفين الصينيين في ساحة تيانانمن سكوير في العام 1989 عندما سحقت قوات بكين ثورة الطلاب أمام أنظار العالم، وكان العذر هو أن الطلاب كانوا يرفعون شعارات غربية بامتياز، وكان أكثر الشعارات لفتاً للأنظار مجسماً يمثل تمثال الحرية الأميركي، ولم تشفع وسائل الإعلام الغربية التي نقلت الحدث quot;تزامناً مع زيارة الرئيس السوفييتي ميخايل غورباتشوفquot; في تخفيف حدة القمع التي تعرض لها الطلاب بعد أسابيع من الاعتصام في الساحة.

يدعم هذا التخوف ما قالته مراسلة مصر لمركز مداد الدولي للدراسات والبحوث مروه رسلان في حديث قصير مع quot;إيلافquot;: quot; أصحاب الأجندات استخدموا الشعارات الأجنبية لمصالحهم الشخصية، لا يعلم أهدافهم إلا هم، أما أصحاب الثورة الحقيقة الذين خرجوا في يوم 25 كانون الثاني- يناير اعتقد أن كل ما يهمهم من هذه الثورة هو تحقيق العدالة الاجتماعية، و إذا كانوا استخدموا الشعارات الأجنبية فذلك لأنهم يخاطبون الرأي الدولي ويطلبون أن يقف معهم في حركتهم ومطالبهم العادلة كما حدث مع مطالب الشباب التونسيquot;.