خيرالله خيرالله

لا بدّ من العودة الى المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية في ضوء المشهد القاهري.هل تغيّر شيء بعد المصالحة؟ ثمة من يعتقد ان هناك امورا كثيرة تغيّرت. وثمة من يؤكد ان كل شيء على حاله. يبقى السؤال الاساسي هل للمصالحة، التي حاولت quot;حماسquot; ان تظهر من خلالها ان الرئيس الفلسطيني السيد محمود عبّاس (ابو مازن) ضعيف، افق سياسي، علما انه في غياب الافق السياسي، لا معنى للمصالحة. من هذا المنطلق، تبدو الحاجة الملحة الى البحث عن افق سياسي. من دون هذا الافق، لا مصالحة ولا من يتصالحون.
من اجل التوصل الى ايجاد مثل هذا الافق، لا مفرّ من توافر شروط عدة في مقدمها التصرف من منطلق ان اسرائيل لا تريد السلام وان الحكومة اليمينية التي على رأسها بنيامين نتانياهو تعتبر ان الوقت يعمل لمصلحتها. والى اشعار آخر، ترى هذه الحكومة مصلحتها في تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وترك قطاع غزة تحت الحصار، اي تحت سيطرة quot;حماسquot;.
عندمت تسيطر quot;حماسquot; على غزة، تقدم الحركة اكبر هدية للاحتلال الاسرائيلي. اين مشكلة حكومة نتانياهو مع غزة ما دامت quot;حماسquot; اسيرة الاسير الاسرائيلي الذي يبرر احتجازه منذ خمسة اعوام، اقله من وجهة نظر المجتمع الدولي، استمرار الحصار الظالم الذي يخضع له اهل القطاع؟ اين مشكلة اسرائيل مع غزة عندما تكون مجرد quot;امارة اسلاميةquot; على الطريقة quot;الطالبانيةquot;؟ الدليل على ذلك ان من يدير الشؤون اليومية للامارة، اي السيد اسماعيل هنية، حرجا من اي نوع كان في الاشادة بـquot;الشيخquot; اسامة بن لا دن بعد مقتله على يد الاميركيين. الثابت، ان لا مشكلة اسرائيلية مع القطاع عندما يكون في مثل هذا الوضع الذي يتلذذ فيه الفلسطينيون بمعاقبة انفسهم والاساءة الى قضيتهم المحقة.
ولكن ماذا عن الشروط التي تعطي افقا سياسيا للمصالحة التي رعتها القاهرة على الرغم من الاصرار الاسرائيلي على رفض اي تسوية معقولة ومقبولة تؤمن الحدّ الادنى من الحقوق المشروعة للشعب الفسطيني؟ في مقدم هذه الشروط اعتراف quot;حماسquot; بانها ما كانت لتأتي الى القاهرة وتوقع الوثيقة نفسها التي صاغتها المخابرات المصرية في عهد اللواء عمر سليمان لولا شعورها بان الوضع الداخلي في سوريا يسوء وانه بغض النظر عن النهاية التي سيستقر عليها هذا الوضع، لن تعود دمشق مكانا آمنا لاي من قياديي الحركة. ولذلك، كانت المحاولة التي بذلها السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لـquot;حماسquot; لوضع نفسه في مستوى quot;ابو مازنquot; من الناحية البروتوكولية في غير محلها. ولذلك ايضا، كان عليه الاكتفاء بانه زعيم احد الفصائل الفلسطينية وذلك من دون إنكار انه في وضع افضل بكثير من الامين العام لهذه الجبهة او تلك.
ربما كان الشرط الاول الذي لا بدّ من توافره لانجاح المصالحة الاعتراف بان فوضى السلاح لا يمكن ان تستمر. اما اجهزة امنية تحت سلطة موحدة هي السلطة الوطنية الفلسطينية واما وجود كيانين فلسطينيين لا علاقة لاحدهما بالآخر، كما الحال حاليا. لا يمكن ان تكون هناك جهة فلسطينية قادرة على السعي الى اقامة دولة مستقلة وازالة الاحتلال في ظل السيطرة التي تمارسها quot;حماسquot; على قطاع غزة بفضل ميليشيا مسلحة لا همّ لها سوى تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني وليس مقاومة الاحتلال. لا يمكن مقاومة الاحتلال ما دام السلاح الحمساوي خارج سيطرة الاجهزة الامنية الفلسطينية التي تمتلك شرعية مستمدة من النجاح السياسي والاقتصادي والامني الذي تحقق في الضفة الغربية وجعل الارض الفلسطينية ارضا غير طاردة لاهلها. انه نجاح مرتبط الى حدّ كبير بما حققته حكومة الدكتور سلام فيّاض التي اكتسبت صدقية لدى المجتمع الدولي اوروبيا واميركيا. في حال ستقوم دولة فلسطينية يوما، سيعود الفضل في ذلك لهذه الحكومة التي عرفت كيف يكون التعاطي مع المجتمع الدولي وكيف مواجهة الاحتلال بدل المساعدة في تكريسه!
بكلام اوضح، لا يمكن لـquot;حماسquot; في حال كانت صادقة في استكمال المصالحة ابقاء قطاع غزة خارج سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية. لا يمكن ان يكون هناك مشروع سياسي قابل للحياة في غياب السلطة التي تحتكر السلاح. الدليل على ذلك ما يعاني منه لبنان، وهو كيان قائم له مكانه على خريطة الشرق الاوسط والعالم، بسبب سلاح ميليشيا quot;حزب اللهquot; والتي لا همّ لها سوى القضاء على مؤسسات الدولة اللبنانية.
متى اقتنعت quot;حماسquot; بان فوضى السلاح لا يمكن الا ان تجر الويلات على الشعب الفلسطيني وقضيته، يصبح هناك مجال للبحث في انضمامها الى النضال الفلسطيني الحقيقي المستند الى البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية. مثل هذا الانضمام يتوّج المصالحة الوطنية ويوفر لها افقا سياسيا بعيدا عن اي نوع من المزايدات والشعارات الفارغة. في ما عدا ذلك، لن يكون بعيدا اليوم الذي سيتبين فيه ان ما حصل في القاهرة كان حدثا عابرا وان هناك بين الفلسطينيين من لا يزال مصرا على ان يكون الشعب الفلسطيني وقودا في معارك ذات طابع اقليمي لا علاقة له بها لا من قريب او بعيد!