لندن - سامية نخول
توغلت الدبابات في بلدات سورية واعتلى قناصة أسطح المباني وأخذوا يطلقون الرصاص على كل ما يتحرك واعتقلت قوات الأمن محتجين. مشهد المدرعات الثقيلة مألوف في العالم العربي كما حدث حين دخلت الدبابات الأميركية العاصمة العراقية (بغداد) العام 2003 أو حين اجتاحت الدبابات الإسرائيلية جنوب لبنان العام 2006. ولكن الدبابات هذه المرة سورية وتستهدف محتجين سوريين يطالبون بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد.
ووعد بشار الأسد (45 عاماً) بإصلاحات حين خلف والده في العام 2000 عقب أربعة عقود من حكم الأقلية العلوية ولكنه اختار الدبابات والرصاص بدلاً من التغيير وتقديم تنازلات حقيقية لمعالجة مظالم المحتجين. وفي أنحاء سورية من درعا في الجنوب إلى بانياس في الشمال تشتد قبضة حركة القمع وتزداد عزلة البلدات التي كانت في قلب الانتفاضة.
وأضحى تحرك المحتجين والنشطاء الذين يستلهمون انتفاضتين أطاحتا برئيسي تونس ومصر أكثر صعوبة. واعتقل عدد كبير منهم أو كممت أفواههم. وطوق الجيش وقوات الأمن المدن الرئيسية بالدبابات وأقام المتاريس على الطرق ومنع الوصول لبعض البلدات وعزلت عن بقية البلاد بقطع خدمات الهاتف والإنترنت.
ويقول سكان يتسن إن الاتصال بهم بشكل متقطع عن طريق الهاتف أو موقعي تويتر وفيسبوك على الإنترنت إنهم يسمعون عن الاضطرابات في مدن أخرى من المحطات التلفزيونية الفضائية العربية وما يتردد على الألسن.
وقال باتريك سيل الذي كتب سيرة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد والد بشار: laquo;يوحد النظام صفوفه ويحاول سحق المعارضة... أرى النظام يفقد شعبيته بشكل متزايد ويلجأ لأساليب وحشية ولكنه سينجو هذه المرةraquo;.
ومع الاستعانة بالجيش ضد محتجين غير مسلحين وغياب احتمال حدوث نوعية التدخل العسكري نفسها في محاولة لوقف هجمات الزعيم الليبي معمر القذافي على شعبه، تشير التوقعات إلى أن اليد العليا ستظل للأسد في الآونة الحالية ما لم يتمرد الضباط السنة عليه.
ولكن ثمن البقاء في السلطة يرتفع يومياً. وقال سيل: laquo;طالما بقي الجيش وقوات الأمن على ولائهما لبشار سيبقى ولكن على حساب تضرر سمعتهraquo;.
وقال مدير منظمة هيومان رايتس ووتش في بيروت، نديم حوري: laquo;بغض النظر عن سحق الجيش وقوات الأمن الاحتجاجات من الواضح أن شيئاً ما كسر بشكل جوهري في سورية بين النظام وقطاع كبير من المواطنين... لا يمكن إصلاح الأوضاع بالقمع. النظام يخدع نفسه بالاعتقاد أن الدبابات يمكن أن تحل المشكلة. ربما يسحق الاحتجاجات ولكن لن ينجح في علاج المشاكل الكامنةraquo;.
ومع حظر وسائل الإعلام العالمية في سورية فإن الاتصالات الهاتفية مع السكان ولقطات الفيديو التي يصورها هواة هما الشاهد الوحيد على الحملة ضد المدنيين الذين قرروا أن من حقهم أيضاً تنسم رياح الحرية التي ينشرها laquo;الربيع العربيraquo;.
وحين تشاهد التلفزيون السوري أو تستمع لوسائل الإعلام الرسمية يصعب أن تصدق أن ثمة خطباً خطيراً في سورية فيما عدا هجمات عشوائية على الأمن والجيش يعزوها مسئولون لعصابات مسلحة مجهولة وعملاء أجانب ومتشددون إسلاميون.
ولا توجد أية صلة بين رواية السلطات عن الأحداث والتجربة القاسية التي يتعرض لها من نزلوا للشوارع للاحتجاج. وتقول جماعات حقوقية سورية إن ما يصل إلى 800 شخص قتل واعتقل الآلاف منذ اندلاع الاحتجاجات في مارس/ آذار 2011.
ومنذ ذلك الحين لم يوجه الأسد كلمة مباشرة للأمة بل ظهر على شاشة التلفزيون وهو يتحدث أمام مجلس الشعب والحكومة. وقال سيل: laquo;يعتقد البعض أن هناك من حل محل وأنه فقد السلطة لصالح المتشددين في العائلة. لم يوجه كلمة للأمة. لم يقل ماذا يريد أن يفعل. ترك الأمر لقوات الأمن. يمكن أن يستخلص المرء أنه ربما لا يمسك بزمام الأمور كلياraquo;.
ومازالت العواصم الغربية في حيرة من أمرها بشأن من يسير الأمور في سورية. هل هو بشار أم شقيقه الأصغر ماهر قائد الحرس الجمهوري والفرقة الميكانيكية الرابعة وغالبية جنودها من العلويين أم آصف شوكت زوج شقيقة بشار وهو مدير المخابرات العسكرية سابقاً ونائب رئيس أركان الجيش حاليا؟
وعند فرض العقوبات الأوروبية التي تستهدف أفراد أسرته كان غياب اسم بشار لافتاً للنظر ويبدو أن صناع القرار في الغرب مازالوا يعتقدون أن الرئيس السوري يحتمل أن يكون إصلاحياً ولكن يكبحه المتشددون من أفراد حاشيته.
ولكن كما يشير خبراء فإن القضية الرئيسية ليست هزيمة بشار لشعبه ولكن ما إذا كان الحل العسكري يمكن أن يدوم من دون إصلاحات حقيقية لإخماد الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات في المقام الأول. ويقولون إن المواطنين مثلما حدث في العواصم العربية الأخرى يتمردون على غياب الحرية والفرص.
كما يثير حنقهم الفساد الذي أثرى الصفوة بينما يعيش ثلث السوريين تحت خط الفقر. ويحيط أصحاب المليارات بالعائلة الحاكمة بينما تجمد الدخل القومي طوال عقود في اقتصاد لايزال شديد الانغلاق.
وقال حوري: laquo;خرج الجني من القمقم. لا يمكن بناء إصلاحات على أساس قمعي. كلما تنامى العنف المستخدم كلما تضاءلت فرص قبول الإصلاحاتraquo;.
ويقول المراقبون إنه لا ينبغي على الأسد أن يأمل بالإفلات بالوحشية نفسها التي انتهجها والده الذي قمع انتفاضة إسلامية في حماة في العام 1982 بالدبابات والمدفعية وسوى بالأرض مساحات شاسعة من المدينة وأزهق ما بين 20 و30 ألف روح.
وقال حوري: laquo;إذا اعتقد أي شخص أن بوسعه أن يفلت بحماة أخرى فإنه يعاني من قصر نظر. ستنتشر المعلومات في عصر ويكيليكس ووسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولةraquo;.
ويعتقد آخرون أنه بسبب موقع سورية المحوري في الشرق الأوسط - كحليف لإيران وحزب الله اللبناني في الوقت ذاته الذي تنتهج فيه سلوكاً براجماتياً في تعاملاها مع إسرائيل - سيواصل العالم ودول المنطقة التعامل مع الأسد.
وعلى رغم ما بذل السوريون من أرواح للاحتجاج على سنوات من القمع والمعاناة الاقتصادية والفساد بين الصفوة فإن قلة من الطلبة السوريين يعتقدون أن الأقلية العلوية ستنفذ الإصلاحات التي وعدت بها منذ فترة طويلة. ويبلغ تعداد سكان سورية نحو 20 مليون نسمة ويمثل السنة 75 في المئة.
وذكروا أن أي إصلاحات ذات معنى تنطوي على انتخابات حرة وسيادة القانون والمحاسبة تعني الإطاحة بعائلة الأسد.
وقال سيل: laquo;إنه حكم أقلية إذا نفذت إصلاحات سياسية حقيقية مثل إجراء انتخابات حقيقية فإنه يخاطر بالإطاحة به من السلطة. يخشى التعرض لمذبحة. مازالت سحابة حماة تظلل الأفقraquo;.
ويعزو البعض الفضل للأسد في محاولة تحرير الاقتصاد وتحديث سورية ولكن الزيادة السكانية الكبيرة -تصل حاليا لنحو 2.4 في المئة سنويا - فاقت كثيرا قدرة الاقتصاد على توفير فرص عمل على مدار العقود الثلاثة الماضية.
غير أن كثيرين من السوريين والدول المجاورة على حد سواء يقولون إن أية رغبة في رحيل الأسد يكبحها خوف أكبر من تفجر صراع طائفي على غرار ما حدث في العراق عقب الإطاحة بالرئيس المخلوع صدام حسين. والمجتمع السوري مزيج من العلويين والسنة والمسيحيين والأكراد والدروز.
ويقول سوريون كثر إنهم يفضلون بقاء الأسد على المخاطرة بمواجهة تبعات رحيله.
لكن باستثناء الأقليات وأقارب الأسد ورفاق العائلة وطبقة جديدة من الرأسماليين المقربين من نظام الحكم وغيرهم من المستفيدين من الشرطة السرية إلى ميليشيات الشبيحة العلوية فإن من يريدون التغيير أكثر عدداً بكل تأكيد. وقال الناشط علي الاتاسي: laquo;سورية عند نقطة مفصلية ولا يمكنها الرجوع للوراءraquo;
التعليقات