وليد شقير


عندما يحذّر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أكثر من مرة من أن تتكرر في سورية مجزرة حماه وحلبجة وينبه الى ان المجتمع الدولي سيكون له موقف في هذه الحال، وتركيا ستكون منسجمة مع المجتمع الدولي، فإن زعيم حزب laquo;العدالة والتنميةraquo; يتوقع الأسوأ مما يجري في أرجاء سورية.

بعد أن أطلق أردوغان تحذيره الأول جاءت العقوبات الأوروبية على 13 مسؤولاً من النظام الحاكم. وبعد أن أطلق تحذيره الثاني الثلثاء الماضي أخذت الإدارة الأميركية تسرّب انها تتجه الى اعتبار النظام السوري laquo;فاقداً للشرعيةraquo;، وأعلنت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون أن الاتحاد قد يوسع عقوباته لتشمل الرئيس بشار الأسد.

وعندما يعاكس أردوغان الرواية الرسمية السورية حول قتل المحتجين للعسكريين من الجيش السوري، ويقول ان أكثر من ألف قتيل سقطوا من المتظاهرين المدنيين المطالبين بالإصلاح (في وقت تتحدث مواقع المحتجين عن رقم يراوح بين 650 و800 قتيل)، فإن هذا يؤشر الى ان المعطيات التركية عن المواجهة الدائرة بين النظام وبين الحركة الاحتجاجية في سورية، قد تقود الى ما يشبه أحداث حماه في الثمانينات من القرن الماضي. وليس التعتيم الإعلامي على تفاصيل ما يحصل من قمع في المدن والبلدات السورية، هو الذي يرفع وحده درجة المخاوف من تكرار التجربة الدموية التي حذّر منها أردوغان، في ظل تناقص الصور التي يرسلها الناشطون خلال الأسبوعين الماضيين عن حال القمع والتحركات، بعد حملة الاعتقالات بالآلاف. بل ان ما يصرّح به أركان النظام، عن نيتهم مقاتلة من يعتبرونهم السلفيين laquo;حتى النهايةraquo;، هو الذي يؤشر الى تعميم هذا التعريف، إضافة الى وصم المحتجين بالمجموعات الإرهابية، بمن فيهم العزّل والعلمانيون، لتبرير استخدام البطش من دون رحمة نتيجة الخوف من الإصلاح الحقيقي وقبول التعددية السياسية والحريات...

وحين لا يأبه قادة النظام في سورية الى خسارة أصدقاء مثل أردوغان، الذي تحوّل شريكاً قوياً في المرحلة السابقة، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي جون كيري، وعندما لا يهتمون بعودة حكومات بريطانيا وألمانيا وإيطاليا عن سياسة الانفتاح مع دمشق، ولا يأخذون بنصائح الدول الخليجية، من موقع الحياد، حيال ما تشهده سورية، بضرورة الإصلاح وأخذ مسافة عن السياسة الإيرانية، فإن هذا لا يعني إلا ان حكّام دمشق قرروا ان يقفوا وظهورهم الى الحائط لمقاومة أي تغيير يمكن القيام به بقرار من داخل النظام، من دون ان يقيموا وزناً للعزلة الجديدة التي ستعود إليها سورية إقليمياً ودولياً. وسياسة إدارة الظهر الى الحائط في وجه المجتمع الدولي سبق لدمشق ان اتبعتها إزاء القرار الدولي 1559 عام 2004 معتبرة إياه laquo;غير موجود وتافهraquo;. وهي سياسة أنتجت قرارات دولية أخرى من رحم هذا القرار، وبالعودة إليه كمرجعية، كان لبنان موضوعها وسورية هدفها. إلا أن تلك السياسة استندت الى ورقة التحالف الى حد الالتصاق مع إيران، واستفادت من السياسة الأميركية الخرقاء في العراق وفلسطين والفشل في أفغانستان والإخفاق الإسرائيلي في لبنان، لتستعيد من بعدها سورية دورها الإقليمي.

هل تصح هذه السياسة الآن، فيما العام 2011 هو عام الانسحاب الأميركي من العراق، وفي وقت يتغيّر الواقع الفلسطيني، وحصول المصالحة بين laquo;فتحraquo; و laquo;حماسraquo; عامل أساسي من وقائع هذا التغيير؟

وهل تصح هذه السياسة في وقت تحوّلت تحديات سورية من مواجهة مع الخارج وحول نفوذها في لبنان، شكّلت إيران شريكاً مقاتلاً في التصدي لها، الى مواجهة في الداخل مع أطياف المعارضة المنبثقة من الشعب السوري؟

في المرحلة السابقة، شكلت الشراكة مع تركيا معبراً للخروج من العزلة، والشراكة مع طهران معبراً الى امتلاك أوراق إقليمية. أما في المرحلة الحالية فإن دمشق برفضها الشريك التركي الناصح، تتجه الى الالتصاق مع إيران لتصبح الأخيرة شريكاً في قرارها الداخلي في مواجهة المعارضة السورية، في زمن تحوّل رصيد نفوذها في لبنان الى طهران.