لندن ـ االقدس العربي:

مع التلاسن السوري ـ التركي وتواصل عمليات الجيش السوري ضد المتظاهرين، بدأ المشهد السوري الآن يدخل مرحلة من الفوضى وحالة اللارجعة، حيث اشار ناشطون سوريون في بيروت الى ان النظام بمواصلته القمع اغلق كل ابواب الحوار.
وشهدت الايام الماضية ويوم الجمعة تظاهرات جديدة فيما قام الجيش بعمليات في ضواحي مدينة دمشق، وتم اعتقال العديد من المتظاهرين في ملاعب كرة القدم والمدارس والمباني الحكومية وذلك في عدد من المدن السورية وجرى اعتقال بعضهم في مداهمات من بيت لبيت في عدد من المدن السورية، حيث حملت قوات الامن معها قوائم باسماء ناشطين، وهناك من اعتقلوا بطريقة عشوائية، حيث اعتقل بعضهم لان بطاقة هويته غير واضحة.
ويرى الكثيرون ان هذه الاجراءات محاولة لتخويف السكان واجبارهم على البقاء في داخل البيوت لقمع الانتفاضة وانهائها، واجبر عدد كبير من الرجال على توقيع تعهد بعدم المشاركة في التظاهرات مرة اخرى.
وحذر راسم الاتاسي، مدير المنظمة العربية لحقوق الانسان والذي اعتقل مدة عشرة ايام ان الوضع يزداد سوءا يوما عن يوم، واكد ان حلا سياسيا للازمة بات غير ممكن. وادت الاحداث الاخيرة والقمع المتواصل الى قيام الاتحاد الاوروبي لفرض عقوبات على رجال في نظام بشار الاسد، وشددت هيلاري كلينتون من لهجتها وهو ما يراه المراقبون خطوة جديدة لاتخاذ موقف اشد خاصة ان ادارة باراك اوباما لم تقم الا باتخاذ اجراءات شكلية واكتفت بالشجب لحد الآن.
وقالت كلينتون ان الادارة تبحث عن خطوات اضافية لتحميل النظام مسؤولية الانتهاكات الفظيعة لحقوق الانسان. ونقلت انيويورك تايمزب عن مسؤول امريكي قوله ان عقوبات جديدة ستفرض على شخصيات اخرى وقد تشمل الرئيس نفسه. ولا تزال مدينة درعا محاصرة حيث اندلعت الانتفاضة وكذا بانياس وحمص، فيما تتراكم فيه اعداد المعتقلين والذين تتراوح اعدادهم ما بين 9 -10 الاف. ونقلت عن محام في دمشق ان المعتقلين بالالاف الان. وقال بعض المعتقلين الذين افرج عنهم ان السجون لم تعد تستوعب اعدادا جديدة وباتت الحكومة تستخدم المباني الحكومية والمؤسسات الحكومية. وكانت الحكومة السورية قد اعترفت بالقمع وقالت انه جاء ردا على المسلحين من الارهابيين والمجرمين، وهؤلاء لا يمثلون الا نسبة قليلة من المتظاهرين. وترى منظمات حقوق انسان ان بعض المعتقلين يعذبون ثم يطلق سراحهم كي يتحدثوا عن تجاربهم ولمنع من تسول له نفسه بالتظاهر. ولوحظ ان هناك عملية فوضى داخل الاجهزة الامنية حيث يتم اعتقال شخص ثم يطلق سراحه ليقوم جهاز امن اخر باعتقاله.
وفي مقال للخبير القانوني البريطاني جيفري روبرتسون، جاء فيه ان الاحداث في سورية لم تصل بعد الى درجة اعتبارها كارثة انسانية او الى حد يدعو للتدخل العسكري على الرغم من الاقوال التي تتحدث عن وجود ايراني، كما ان الانتفاضة لم تصل لوضع يمكن اعتبارها حربا اهلية، فافعال الحكومة لم تصل الى درجة تدعو للتدخل من اجل وقف حرب ابادة ضد شعب. ومع ذلك يناقش الكاتب ان مواصلة الاسد اعماله الوحشية ضد المتظاهرين يصل الى حد اعتبارها جريمة ضد الانسانية حيث تنص معاهدة محكمة جرائم الحرب الدولية على انه في حالة ارتكب النظام سلسلة من الافعال المقصودة والمنظمة ضد المدنيين من مثل ارسال دبابات والمدافع والقناصة ضد العزل، وبشكل مستمر وعلى مدار سبعة اسابيع فان هذا هو دليل واضح على الجريمة. ويضيف الكاتب ان الاسد باعتباره القائد العام يتحمل المسؤولية واستبعاده من العقوبات امر مثير للاشمئزاز، فقد مضى الوقت للحديث عن كونه اصلاحيا يكافح متشددين، او انه طبيب عيون اعمى.
واضافة الى الاسد شقيقه ماهر الاسد الذي ارتكب انتهاكات وفرقة القوات الخاصة في درعا ومعه اقاربه ممن يديرون المخابرات. ولم يستبعد جيفرسون زوجة الاسد، اسماء من التحقيق باعتبارها جزءا من دائرة الرئيس ومن يحيط به. ويقول ان الصحافيين ممن قاموا باصدار الاحكام مدحوا اعمالها الخيرية ودورها الاجتماعي مع انها لا تزال في سورية تعين زوجها وتقدم له الراحة المعنوية.
ويضيف ان القوانين والقواعد التي اكدتها الامم المتحدة عام 1990 ان الانظمة لا تلجأ للعنف والسلاح الا في احالة الضرورة القصوىب دفاعا عن انفسهم او من هم في حالة خطر الموت. وتؤكد القواعد على ان الامن يسمح له بتسليح نفسه باسلحة غير قاتلة من مثل الغاز المسيل والهراوات مع توفير الاسعاف الطبي العاجل ومعاقبة اي جندي استخدم العنف بطريقة مفرطة. ولا تسمح القوانين باللجوء للعنف في النزاعات الداخلية، واللجوء للعنف في مواجهة المتظاهرين يجب عدم استخدامه الا في حالة الاضطرار له ولحماية النفس. ومن هنا فان الخرق الواضح للقوانين في سورية كما في البحرين المترافق مع القمع الوحشي يدعو المجتمع الدولي للتدخل والشجب. ومع منع الصحافيين الاجانب من العمل داخل سورية ووجود محدد للصليب الاحمر من اجل منع الشهود فهناك ضرورة لاحالة مجلس الامن ملف سورية الى محكمة جرائم الحرب الدولية كي تتولى التحقيق، كما فعل في دار فور وليبيا. ويقول ان لا احد يقترح جنودا على الارض ولكن مجرد وجود محققي محكمة جرائم الحرب الدولية يعني ان سورية قد توقف سياستها ااطلق لتقتلب. وختم قائلا ان امكانية تحقيق العدالة عبر توجيه تهم للطاغية قد تكون اكثر ردعا من منعه وازلامه من السفر.
وتظهر التجربة السورية وما يجري في اليمن والتدخل الاجنبي في ليبيا ان الربيع العربي الذي كان مليئا بالامال والطموحات تحول الى اصيفب ساخن، مما جعل الحديث عن مستقبل جميل وواعد ضربا في الرمل. فما تبع رحيل كل من ديكتاتوري تونس ومصر ـ زين العابدين بن علي وحسني مبارك - حمام دماء ووحشية. ونقلت اواشنطن بوستب عن سلمان الشيخ من مركز بروكينغز في الدوحة قوله ان الانتفاضات العربية تسير بسرعة كي تواجه شوكة على الطريق، واضاف ان المعركة قد تكون دموية وقد تستمر لاعوام طويلة. وكان القمع في البحرين هو ما اشار الى المسار الذي اتخذته الانتفاضات العربية، حيث تقول منظمات حقوق الانسان ان الحكومة تقوم بقمع منظم ضد المتظاهرين الشيعة. ونفس الامر في سورية وليبيا واليمن التي استخدمت فيها الانظمة لغة الدبابة لمواجهة المتظاهرين المطالبين بالتغيير والحرية. وحتى في الدول التي جرى فيها التغيير سلميا من مثل مصر التي تشهد احداثا طائفية وتونس التي وصلت درجة الاحباط منعطقا حادا. ومع كل هذا فان المحللين يقولون انه لا تراجع عن الانجازات وطريق الحرية بات مفتوحا. ويأمل الكثيرون ان يحتوي خطاب اوباما في الاسبوع القادم والذي سيتحدث فيه عن انتصاره بقتل بن لادن بعضا من المواقف الشديدة والشجب لممارسات الانظمة العربية. وايا كان الوضع فالمنطقة تسير نحو مرحلة من عدم الاستقرار التي لا احد قادر على التكهن بتداعياتها.