ياسر محجوب الحسين

غدا تنتهي فترة عمرو موسى كأمين عام للجامعة العربية ومن المتوقع أن يفصل رؤساء الوفود العربية التي ستشارك في الوزاري العربي الطارئ غدا الأحد في تعيين أمين عام جديد بعد أن حصل المندوبون الدائمون على مذكرات تفويض رسمية من القادة العرب.
يبدو أن تعيين أمين عام جديد هذه المرة أشبه بالمعركة على غير العادة إذ كان الأمر يحسم في المرات السابقة بشكل سلس، أكثر الجدل يثور حول مرشح مصر الدكتور مصطفى الفقي ومن الواضح أن مصر الرسمية حسمت أمرها بشأنه رغم الجدل الداخلي حوله، مندوب مصر الدائم لدى الجامعة عفيفي عبد الوهاب أكد ثقة مصر في اختيارها، بل نفى وجود أي اتجاه إلى استبدال الفقي بعد تقديم الترشيح رسميا للجامعة وإبلاغ الأمانة العامة به والتي قامت بدورها بتعميم الترشيح.
ائتلاف ثورة 25 يناير يرفض ترشيح الفقي باعتباره رمزا من رموز الحكم السابق في مصر، الفقي واجه من قبل مظاهرة احتجاجية من شباب الثورة رفعت لافتات حملوها تقول: quot;ترشيح الفقي هو الثورة المضادة، وخيانة بينة لمبادئ الثورةquot;.
مثقف مصري يدعى حمدي الفخراني أقام دعوى طالب فيها برفض تولي الفقي هذا المنصب لعدة أسباب منها اشتراكه في (تزوير) الانتخابات ومن المنتظر أن تنظر محكمة القضاء الإداري في مصر اليوم 14 مايو في الدعوى.
الدكتورة ميرفت التلاوي وهي وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة في مصر والمديرة التنفيذية السابقة للجنة الأمم المتحدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية لجنوب غربي آسيا (إسكوا) رحبت بترشيح دولة قطر للسيد عبد الرحمن بن حمد العطية للمنصب، بل شددت على إيمان مصر الثورة بالديمقراطية ومن مبادئها تدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية.
خارجيا يواجه الفقي اعتراض السودان الذي أكد أنه لا علاقة لموقفه أي أزمته مع مصر وأن ذلك الموقف تجاه شخص لا تجاه مصر، البعض يندهش من الإصرار الرسمي في مصر على الفقي باعتبار أن ترشيحه مخاطرة إذ أصبح الرجل شخصية خلافية أكثر من كونه وفاقية كما أن من أكثر الدول العربية التي لها خيارات مفتوحة بسبب الكم الكبير من الكوادر التي يمكن أن تكون بديلا مناسبا للفقي.
في السودان أعلنت أحزاب معارضة تأييدها للفقي دون أن تستحي من شباب الثورة المصرية وأعلنت موقفها من دون خجل ومن داخل قاهرة المعز مما اعتبره البعض محاولة (مسح جوخ).
المعارضة التي لا تفرق بين الشأن الحزبي الضيق وبين الشأن الوطني العام اعتبرت الأمر متعلقا فقط بحزب المؤتمر الوطني الحاكم، المعارضة السودانية أكدت أن الشعب السوداني مع موقفها، والشعب بريء منها ولم يعطها حق الحديث باسمه وقال كلمته فيها عبر الانتخابات.
يقولون إن من لا يمارس الفضيلة فهو قريب من الرذيلة، ونقول إن من لا يمارس السياسة بمعناها الرفيع يكون قريبا من النفاق.. النفاق أن تملأ الساحة السياسية ضجيجا بمفاهيم الديمقراطية والوطنية ولكن تنكص عن ممارسة اللعب النظيف.. لم أستغرب موقف أحزاب المعارضة في السودان عندما علمت أن من بينهم مبارك الفاضل رئيس الأمة (الإصلاح والتجديد) الذي تركه مؤخرا وجاء صاغرا لحزب الأمة القومي برئاسة السيد الصادق المهدي، مبارك الفاضل المهدي بطل فريد في فصل تراجيدي في السياسة الحزبية.. في 19 أغسطس 1998م وعلى الملأ وعبر الأثير الفضائي دعا الولايات المتحدة لضرب مصانع الجديد الثورة باعتبارها مصانع لإنتاج الأسلحة الكيماوية!!. الرجل (الجريء على الحق) لم تهزّه الاعتداءات الأمريكية على مصنع الشفاء للأدوية ذلك الاعتداء الذي اقشعرت له الأبدان، غارة أمريكية جائرة وظالمة دكت بنيان المصنع وأتت أركانه على القواعد.. الدهشة عقدت ألسن الأحرار في العالم وهم يستمعون لذلك السياسي السوداني الذي لم تمنعه أخلاق ولا دين ولا حياء وهو يشير لمكان آخر لضربه بالصواريخ الأمريكية!!
من أهم الدروس الوطنية أن المعارضة السياسية فن، بيد أن هذا الفن فلسفة قائمة على مرتكز أساسي وهو الإيمان الراسخ بقضية الأوطان، الكثير من المعارضين ممن تصدى للعمل السياسي لا يكاد ينفك من داء عضال فيقع الخلط بين الدولة والحكومة وتستحيل الفواصل بين الاثنين إلى سراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.