حمد الماجد

في تونس ومصر كان لكل من بن علي ومبارك عينان، كما خلق الله: عين على الشعب ترقبه مبهورة، وعين على الجيش تخافه مذعورة.. أما في سوريا فللأسد، طبيب العيون، خمس عيون: عين على شعبه المنتفض، وعين على طائفته، وعين على الحرس القديم، وعين على إيران، وعين على حزب الله.. أما العين التي على إسرائيل فلم نذكرها؛ لأنها مخصصة للغمز اللطيف، فجيش ألجم فوهات مدافعه ضد laquo;العدو الحبيبraquo; أربعين عاما يستحيل أن توجه له المدافع والشعب يثور؛ لهذا كانت إسرائيل أحد أضلاع المعادلة الخاسرة مع إيران وحزب الله لو سقط النظام، صمتت فوهات مدافع الجيش السوري أربعين عاما لتنطق في بانياس ودرعا وحمص وحلب وحماة، هل أدركنا الآن لمن تجهز الجيوش في نظم الحكم الشمولية؟

وما دمنا في عالم العيون وطبيب العيون، فلعلكم لاحظتم المفارقة العيونية اللافتة بين مصر وتونس من جهة وسوريا من جهة أخرى، عيون الجيوش في هذه البلدان الثلاثة كانت كلها حمراء متوترة ومستيقظة، ترقب بن علي ومبارك والأسد، لكن الفرق الشديد أن احمرار عيون الجيشين في كل من تونس ومصر كان على الرئيسين ألا يتعديا الخط الأحمر فيقتلا شعبيهما وإلا هلكا، وعين الجيش السوري حمراء على الرئيس لكي لا يخور ويضعف عن قتل شعبه وإلا هلك.

هذا عن المفارقات، لكن هناك تشابهات مع أنظمة أخرى؛ فأعراض الموت عند حكام الديكتاتوريات واحدة.. فصدام، الذي ألهب جلد شعبه بالسياط أكثر من ثلاثين عاما، لم يصب إسرائيل منه غير فقاعات إعلامية واهية، لكن حين تعرض نظام حكمه لتهديد خطير بعد غزوه للكويت أقحم إسرائيل في محاولة يائسة فأرسل صواريخ تنكية بالية ليس هدفها تدمير نصف إسرائيل، كما زعم، وإنما لإبقاء نظامه حيا يرزق، ومعمر القذافي لم ينتبه إلى صليبية الغرب إلا بعد أن دكوا منزله في العزيزية، لعل الدعاية ضد الصليبيين هذه المرة تنقذ ما يمكن إنقاذه، ونظام الأسد منذ أربعة عقود يوجه لإسرائيل laquo;هوشاتraquo; إعلامية يسوق بها شعبيته في الداخل والخارج ويبرر بها جبروته وتسلطه على شعبه وlaquo;زعرنتهraquo; على الحكومات الضعيفة والأحزاب المسكينة، وحين تعرض لخطر شعبي داخلي التفت النظام للترياق الإسرائيلي، لكن تهديد إسرائيل صدر هذه المرة من رامي مخلوف، ابن خال الرئيس، الذي لا يشغل أي منصب، وهو ما يذكرنا بسيف الإسلام القذافي، الشخصية الليبية التي على الورق ليست مسؤولة عن أي شيء، لكنها في الواقع مسؤولة عن كل شيء، بل وأخطر شيء: الحرب والسلم.. رامي قال لصحيفة laquo;نيويورك تايمزraquo;: laquo;إذا لم يكن هناك استقرار داخلي هنا (في سوريا)، فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيلraquo;، هذا هو المنطوق، أما المفهوم فلكِ يا إسرائيل كل الأمان ما دام نظام الحكم في أمان، وهو ما طبقه النظام قولا وعملا منذ عام 1976.

المطلوب من طبيب العيون أن يتدارك الأمر، هذا إن كان ثمة وقت لتداركه، ليوجه عينا حانية مشفقة لشعبه تحفظه وتمنحه حقوقه المشروعة، وإلا فالشعب، أي شعب في الدنيا، قادر على أن يفقأ كل عين لا ترحم، وللجميع عبرة في العينين المصريتين والتونسيتين المفقوءتين، وكذا العين الليبية التي يجري فقؤها، ومصيرها إلى العمى الكامل تلاحقها أصابع الشعب laquo;ملجأ ملجأ.. حفرة حفرة.. قبوا قبوا..raquo;، طال الزمان أو قصر.